إن فن الإضحاك وصناعة الابتسامة ليس كباقي الفنون، إن صاحبه لا يتأتى له ذلك إلا إذا كان ذا موهبة فطرية أصيلة تولد مع الشخص، وتنمو بالمعرفة والكسب.
من هؤلاء الفنانين الأصلاء كان الفنان الكبير فهد كعيكاتي.
كثيرون هم أولئك الفنانون الذين لم تهيئ لهم الظروف عوامل مثالية للظهور الكبير، ولو فعلتْ لكانوا أكثر شهرة وأذيع صيتاً، وقلة منهم هم الذين ساعدتهم الظروف، والتقفتهم الأيادي، فطارت شهرتهم، وغدوا حديثَ أقوامهم، وقد كان الفنان كعيكاتي من هذه القلة القليلة.
ولد الفنان كعيكاتي عام 1930، ونشأ نشأة بسيطة متواضعة، في حي سوق ساروجا ودرس في الكتّاب، ثم أكمل دراسته في مدرسة الكلية العلمية الوطنية، بعد ذلك التحق بمعهد صناعي لتعليم الخراطة وفي عام 1942، عُين في شركة الكهرباء، وتمكن من المحافظة على هذه الوظيفة طوال حياته.
موهبة مبكرة
في البداية، ولدى ظهور موهبته المبكرة، كان يمارس التمثيل ضمن فرق مسرحية خاصة تعرض مسرحياتها ضمن المنازل، حيث تعرف على الفنان تيسير السعدي الذي أوصله إلى نائب دمشق آنذاك فخري البارودي، فقام هذا بتبني فهد كعيكاتي فنياً، وأدخله إلى إذاعة دمشق يوم تأسيسها سنة 1947.
وهنا، بدأت في حياة كعيكاتي سلسلة من المحطات الزاهية، إذ كان ينتقل من شخصية كبرى إلى شخصية أخرى، وينتسب إلى الفرق الفنية، فزهت موهبته، ونمت وترعرعت.
بدأ أولاً بالانضمام إلى الفرقة السورية للتمثيل والموسيقى، التي أسسها الفنان أنور البابا، ثم انتسب إلى نادي الفنون الجميلة، وهنا كانت البدايات ؛ فقد اشترك كعيكاتي في برنامج إذاعي فكاهي اسمه (إصابة مشتبهة)، وقد كان أحد الأشخاص يقدم في هذا البرنامج دور رجل يدعى ( أبو فهمي)، وهو رجل دمشقي بسيط وشحيح، يخاف كثيراً على ماله. وقد اعتذر هذا الرجل عن الاستمرار بتأدية الدور، فقام كعيكاتي بتقمص هذه الشخصية، ثم ما لبث أن طورها كثيراً، وما زال يؤديها حتى اقترنت باسمه طوال حياته.
إثر نجاحه في تأدية شخصية ( أبو فهمي) في هذا البرنامج، توطدت العلاقة بين أنور البابا وبين أبو فهمي، فكان من هذا الكثير من البرامج الإذاعية التي قدماها معاً ضمن ثنائي شهير الخمسينيات من القرن الماضي.
العمل التلفزيوني
ولـمَّا بدأ بث التلفزيون السوري سنة 1960، كانت صورة أبو فهمي قد غدت شخصية فنية واضحة الملامح، فتمَّ التعاقد مع الكعيكاتي لتقديم عدة لوحات غنائية وفنية.
وفي أواخر الستينيات انتقل الفنان فهد إلى مرحلة جديدة من مراحل حياته، فقد تعاون في العام 1968 مع الثنائي دريد لحام ونهاد قلعي في المسلسل الكوميدي الشهير حمام الهنا، ثم في مسلسل صح النوم، حيث كان دوره في مسلسل صح النوم هو ( العريف أبو فهمي) مدير المخفر، ثم اعتذر عن الاستمرار، فانتقل الدور إلى الفنان عبد اللطيف فتحي، كذلك شارك معهما في الفيلم السينمائي (اللص الظريف) وفي فيلم خياط للسيدات عام 1969.
هذه المسيرة الفنية كانت تصقل موهبة الفنان فهد، وتنقله من حيز إلى آخر، ففي السبعينيات انتقل للتعاون مع الفنان الكبير رفيق سبيعي ففي عام 1974، شارك في مسلسل (مسحر رمضان).
شخصيات لا تنسى
في عام 1977 ظهرت «لأبو فهمي» شخصية جديدة قدمها مع الممثلة سامية جزائري في المسلسل الكوميدي (قصاقيص)، وقد حققت هذه الشخصية نجاحاً باهراً، ونالت شهرة واسعة نافست شخصية أبو فهمي وكادت تطغى عليها، ألا وهي شخصية «أبو جندل»، هذا الرجل المتردد والضعيف تجاه زوجته، والذي كلما سألَته سؤالاً، وقالت: أبو جندل، يقول لها (رد ولا ما رد) فتقول له: (لا معليش رد)… ثم يوافقها وينساق معها في كل ما تقول.
ثم تنوعت وتعددت أعماله الإذاعية والتلفزيونية، منها:
صندوق العجائب، السندباد، سلامات، سيد البيت، مسحر رمضان، منزل الأحباب، بيت للإيجار، حكايا الليل، نبيه ونبهان، حجر الطاحون، مغامرات جحا، الأيام تدور، أبو زيد السروحي، الوحش والمصباح، صابر أفندي، من أيام الثورة السورية، بانتظار عبد الفتاح، المليونير المزيف، برج الحوت، سر الخاتم، فلاش، رحلة سعيدة، الدجاج والأرامل، نهوند، رمضان كريم، تحت الشباك… إلخ.
ومن المؤسف أن نقول إن هذا الفنان الذي أدخل الفرحة، وصنع الابتسامة؛ قد فجعته الحياة وأصابته بنوبتين قلبيتين، أولاهما عام 1977 وذلك إثر وفاة ابنه فريد وهو في ريعان الشباب، والنوبة القلبية الثانية كانت عام 1982 أثناء تصويره مشاهد من مسلسل (الوحش والمصباح) في دبي، وقد أدت إلى وفاته.
وفي عام 2009، صدر في سورية طابعٌ رسميٌّ يحمل صورته بصفته أحد الآباء المؤسسين للكوميديا العربية.
كان رحيل فهد كعيكاتي خسارة للكوميديا العربية التي كان أحد مؤسسيها.
إن رحيل موهبة فنان من أولئك لا يعوضُهُ صناعة عشرات الفنانين من هؤلاء.