قضايا وآراء

سيناريوهات ما بعد الهدنة المؤقتة

| محمد نادر العمري

تبنت حكومة الكيان الإسرائيلي المتطرفة ومجلس الحرب برئاسة بنيامين نتنياهو لأهداف عدة قبل البدء في عدوانهم على قطاع غزة، وتسابق كل المسؤولين الصهاينة بتقديم تصريحات وتهديدات نتيجة الفعل المقاوم الذي فرضته الفصائل الفلسطينية وخاصة عز الدين القسام، في أثناء عملية «طوفان الأقصى» في السادس من تشرين الأول من العام الجاري.

وحددت حكومة نتنياهو المتطرفة ومجلس حربه الذي استقطب الشخصية المعارضة بني غانتس إلى جانب جوقة الصهاينة من عسكريين وسياسيين حاليين وسابقين، ثلاث لاءات تبناها نتنياهو بعد إعلانه حالة الحرب على قطاع غزة والفصائل الفلسطينية، تمثلت هذه اللاءات في:

1. عدم استعادة الأسرى الإسرائيليين إلا بالقوة العسكرية وشن عدوان على قطاع غزة لتحقيق هذا الهدف.

2. عدم إيقاف العدوان على قطاع غزة إلا بعد القضاء على حركة حماس وكل الفصائل الفلسطينية المقاومة في هذه الرقعة الجغرافية.

3. عدم السماح بإدخال أي من المساعدات إلى قطاع غزة من غذاء وأدوية ومصادر طاقة، إلا بعد الانتهاء من العمليات الإسرائيلية العسكرية العدوانية على قطاع غزة.

هذه الأهداف حددت معالم ودوافع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقد ارتكبت قوات هذا الاحتلال تحت مظلة هذه الدوافع كل أشكال الإجرام والمجازر الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني، لم يستطع نتنياهو ومؤسساته الأمنية والعسكرية تحقيق أي منها خلال مدة تسعة وأربعين يوماً من بدء العدوان.

لقد تبلورت مع ازدياد أيام العدوان على قطاع غزة عوامل عديدة اضطر نتيجتها الكيان المحتل وجوقته المتطرفة والمؤيدون لها للقبول باتفاق هدنة مؤقتة، هذه العوامل تجلت في:

أولاً- العامل الداخلي للكيان، وبرز في زيادة الضغوط التي مارستها الجبهة الداخلية من أهالي الأسرى والمتعاطفين معهم للقبول بهذه الهدنة لاستعادة أبنائهم، وخاصة بعد مقتل العديد منهم نتيجة القصف والاعتداء الجوي الإسرائيلي وعدم قدرة قوات الاحتلال على تحريرهم واجتياح قطاع غزة رغم الكثافة النارية المفرطة التي استخدمت خلال الفترة الماضية.

ثانياً- وهذا العامل ينقسم إلى مسارين متوازيين، المسار الأول الذي تجلى في الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على الكيان للقبول بهذه الهدنة عبر رسالة الضغط التي حملها كبير مستشاري الرئيس بايدن عاموس هوكشتاين، ولاسيما بعد انعكاس تطورات العدوان على غزة بشكل سلبي على شعبية الرئيس بايدن قبل بدء الخوض في الانتخابات الرئاسية فتراجعت شعبية الرئيس الأميركي لما يقارب من 40 بالمئة وانزياح فئة الشباب عن متابعة الأحداث من الوسائل الإعلام التقليدية واستقاؤهم للأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي ورفضهم وفق آخر استطلاعات الرأي التي تجاوزت نسبة 70 بالمئة منهم لأسلوب إدارة بايدن في تعاطيها مع الدعم الأميركي لعدوان غزة، إلى جانب امتعاض معظم الأقليات الموجودة داخل الأراضي الأميركية من الدعم الأميركي المفرط للكيان، بينما تمثل المسار الثاني في ارتفاع وتيرة التظاهرات واتساع نطاقها في الدول الأوروبية ضد العمليات العدوانية الإسرائيلية على غزة.

ثالثاً- وهو العامل الأبرز ويتعلق بالجبهة الفلسطينية وبالتحديد داخل قطاع غزة، ويمكن تقسيم هذا العامل إلى ثلاثة مسارات متوازية، المسار الأولى يكمن في قدرة الفصائل المقاومة للتصدي للعدوان الإسرائيلي، بينما تمثل التفاف الحاضنة الشعبية حول المقاومة وخياراتها مساراً ثانياً ومهماً في الجبهة الفلسطينية، أما المسار الثالث فإنه يتجلى في قدرة المقاومة على إيقاع خسائر بشرية ومادية كبيرة بقوات الاحتلال الغازية لقطاع غزة، والتي تجاوزت وفق المتحدث الرسمي باسم كتائب عز الدين القسام «أبو عبيدة» أكثر من 366 آلية وعربة.

هذه العوامل شكلت ظروفاً ذاتية وموضوعية لتبني مسار الهدن المؤقتة، ووضعت نتنياهو بين نارين قبل وفي أثناء تنفيذ اتفاق الهدنة الأولى والثانية:

• الوجه الأول لهذه النار تمثلت في غضب اليمين المتطرف والمتدينين الرافضين لأي اتفاق مع الفصائل الفلسطينية، والذين شكلوا عامل ضغط كبير على نتنياهو لتبني العملية البرية والراغبين في استكمال العمل العسكري في قطاع غزة حتى احتلاله وتهجير الفلسطينيين منه، لذلك سعى نتنياهو في خطابه قبل بدء سريان الهدنة الأولى لاستدعاء البعد الديني لتبرير هذه الصفقة انطلاقاً من الواجب الديني لفداء الأسرى.

• الوجه الآخر من النار التي مازالت تواجه نتنياهو تنقسم لشقين، الشق الأول الضغوط المتوقعة من باقي أهالي الأسرى الذين سيمارسون كل أشكال الضغط لاستكمال هذه الصفقة بصفقات متتالية، والشق الآخر هو الضغوط السياسية التي سيمارسها خصوم نتنياهو واتهامه بعدم جدوى كل العمليات العسكرية التي جرت من دون تحقيق هدف تحرير الأسرى إلا وفق شروط الفصائل المقاومة.

وعليه، يمكن القول إن نتنياهو اضطر للموافقة على نهج الهدن لتحقيق ثلاث نقاط أساسية:

– تحقيق بعض الأهداف من الصفقة دون إعلان وقف الحرب وهو ما ألمح إليه من خلال قوله إن «العمليات العسكرية ستستكمل بعد انتهاء فترة الهدنة».

– حاول إظهار أن قرار الهدنة اتخذ بشكل توافقي داخل مجلس الحرب وبناء على موافقة كل المؤسسات، وذلك لعدم تحمل مسؤولية الإخفاقات السابقة على المستويين السياسي والعسكري.

– الأهم من ذلك تأثير الضغط الأميركي لتطبيق هذا الاتفاق سواء لتخفيف الضغط الدولي على إدارة بايدن نتيجة المجازر الإسرائيلية، أو بسبب استعادة الأسرى الذين يحملون الجنسية الأميركية لتوظيف ذلك في حملة بايدن الانتخابية.

مع بدء سريان الهدنة المؤقتة في قطاع غزة، كان واضحاً أن المشهد السياسي والعسكري يدور حول ثلاثة سيناريوهات لما بعد الهدنة الأولى والثانية:

• السيناريو الأول أن تشهد هذه الهدن تقاعساً لدى الاحتلال الإسرائيلي في تطبيق بنودها أو خرقها، وقد تنتهي الهدنة الثانية أو الثالثة بعودة العمل العدواني على قطاع غزة ومن ثم العودة لاتفاق هدن مجدداً بعد فترة وجيزة، ومؤشرات هذا السيناريو كثيرة في ظل استمرار التصريحات المختلفة للمسؤولين الإسرائيليين من رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس مجلس الأمن القومي وغيرهم، أبرزها تدور في رغبة نتنياهو في كسب تأييد اليمين المتطرف، شركائه في الائتلاف الحكومي، ولاسيما بعد تهديد إيتمار بن غفير بالانسحاب منها، والمسعى العسكري الإسرائيلي لاستغلال الهدنة لجمع أكبر قدر من المعلومات الاستخباراتية.

• السيناريو الثاني أن تشكل هذه الهدن أرضية لاتفاق هدن أخرى يتم التفاوض حولها في الغرف المغلقة في قطر بعد وصول رئيس الموساد الإسرائيلي ومدير CIA الأميركي، تكون أكثر مدة أو هدن متلاحقة وبنودها أكثر اتساعاً، ومثل هذا السيناريو أيضاً يمكن أن يستند إلى مجموعة من المؤشرات المتوافرة يتجلى أهمها في الضغوط المتزايدة لأهالي الأسرى الإسرائيليين والمتعاطفين معهم، وهو ما قد يدفع الحكومة الإسرائيلية للاستمرار في الهدن حتى يتم تحرير كل الأسرى لدى المقاومة، أما المؤشر الثاني فإنه يتعلق بالضغط الأميركي لتبني الهدن المؤقتة لحفظ مياه وجه كل من الكيان والولايات المتحدة الأميركية.

* السيناريو الثالث أن تشكل هذه الهدنة وما يليها من هدن مؤقتة، بداية لوقف العدوان على قطاع غزة، ولكن مثل هذا السيناريو لم تنضج بعد ظروفه وبيئته الموضوعية، وخاصة مع تمسك المقاومة بمطالبها بتبييض كل السجون الإسرائيلية من المعتقلين الفلسطينيين ورفع الحصار عن قطاع غزة وعدم انتهاك حرمة المقدسات الفلسطينية.

اعتبار معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن هذه الهدن هي انتصار للمقاومة في معركة الحملة المعرفية المستمرة ونجاح لحركة حماس في السخرية من إسرائيل، وإرهاق أعصابها، وجني المكاسب في المجال المعرفي، أي التأثير في الجمهور، باتت حقيقة اليوم وهي من المسلمات، وخاصة أنه على الرغم من محاولات قوات الاحتلال الإسرائيلية عدم إظهار صورة النصر للشعب الفلسطيني بتحرير الأسرى المحررين من أطفال ونساء، ومحاولة إبعاد المتجمهرين أمام سجن عوفر، واقتحام منازل أهالي الأسرى قبل ساعات من تحريرهم لمنع أي من مظاهر الاستقبال، لم يتحقق الهدف الإسرائيلي في منع هذا التأثير الذي برز أكثر مع تسليم الفصائل الفلسطينية للأسرى الموجودين لديها للصليب الأحمر في اليوم الثالث من الهدنة الأولى بمنتصف شمال قطاع غزة وهذا الأمر كان بمنزلة رسالة تحمل أكثر من بعد، أهمها:

البعد الأول هي رد على لقاء نتنياهو لبعض قوات كيانه في بعض نقاط قطاع غزة التي تسلل إليها مدرعاً في اليوم ذاته.

البعد الثاني إرادة الفصائل في تكذيب الادعاءات الوهمية لقوات الاحتلال بأنها تسيطر على معظم المناطق في شمال قطاع غزة.

البعد الثالث الجرأة التي ظهرت بها سيارات الفصائل الناقلة للأسرى وسط حشد جماهيري، كتعبير حقيقي عن رسالة تحد لقوات الاحتلال في تكريس قواعد الاشتباك.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن