أثار مقالي: بانتظار الثلوج والأمطار (الوطن. 26/11). نقاشاً مهماً حول مصير مشروع إحياء بردى الموعود.
يبدو المشروع للوهلة الأولى ضرباً من الخيال، مع ذلك هناك من يتشبث به كتشبث غريق بقشة.
وفي الحق، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن ملف المياه السوري الساخن.
الجفاف في سورية أثر في كثير من الأنهار والينابيع والبحيرات، وآثاره المؤلمة لم تعد تقتصر على الزراعة، بل شملت مياه الشرب على الرغم من أن استهلاكنا منها ضئيل لا يتجاوز 9 بالمئة من مجمل مياهنا. وعلى الرغم من ذلك فإن مياه الشرب تنقطع عن دمشق ساعات عديدة وهناك مناطق تحرم من المياه ليوم أو يومين أو أكثر في الأسبوع، وثمة أماكن تزود بمياه الشرب بالصهاريج..!!
والذين يتحدثون عن نهر بردى قبل ما يقرب من ثمانين سنة يوم تغنى به أمير الشعراء ثم في أواسط الخمسينيات يوم غنت له فيروز وتغنت بغوطته، يجب أن يعلموا أنه يتم الآن ضخ كل مخزون نبعه من المياه إلى صنابير المنازل في دمشق كما أن رافده الغزير (نبع الفيجة) يضخ لشبكة مياه الشرب ولم تعد تذهب منه نقطة مياه واحدة لمجرى بردى.
مع ذلك فإن الدكتورة غادة بلال أنجزت دراسة مشروع إحيائه داخل دمشق لأهداف بيئية وصحية واجتماعية وسياحية، إذ لا يليق بأقدم عاصمة في العالم أن يجري في وسطها نهر أسود، مغطى في أغلب أيام السنة بشتى أنواع وأصناف القاذورات، وأن يكون مرتعا للقوارض والحشرات، وليس في الأمر سحر، بل علم.
زرتها قبل أيام في مكتبها بصفتها عميدة للمعهد العالي للتخطيط الإقليمي في جامعة دمشق، فأوضحت لي أنها سلمت الدراسة إلى محافظة دمشق المسؤولة عن التنفيذ، وتنص الدراسة على إقامة محطات معالجة المياه الآسنة بوساطة النباتات القصبية سريعة النمو وهي تتغذى على الطفيليات والفيروسات والجراثيم المرافقة لمياه الصرف الصحي، وستقام هذه المحطات مابين جسر الوزان (دمر) وحتى خروج النهر من دمشق،
أي في حديقة تشرين وفي منطقة كيوان وفي الصوفانية، وهناك محطة SBR تحت جسر الربوة تقدمة من (الفاو) محطة صغيرة في بناء مسبق الصنع يحتوي على أحواض معالجة لكنها لم تشغل بعد (علماً أنها قديمة جداً)، ويوجد مثلها في منطقة الشيخ محي الدين وسنستفسر عن سبب عدم تشغيلهما واستيراد ما يماثلهما للإكثار منهم على مسار النهر.
لفت انتباهها إلى شكوى دائمة من روائح النهر هناك، وحالنا شبيه بقول الشاعر: كالنوق في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول!
إذن الكرة الآن في ملعب محافظ دمشق وهي تشعر أنه متحمس للمشروع.
سألتها: هل تتوقعين أن يواجه المشروع صعابا تعرقل تنفيذه؟ في رأيها أن العائق الوحيد هو الحصار وعدم القدرة على استيراد الآلات والمعدات، فذكرتها بفترة أواخر السبعينيات وعقد الثمانينيات، وكانت سورية تعاني ظروفا مماثلة دفعتها إلى الاعتماد على الذات وإنتاج خطوط إنتاج الخبز محليا وهياكل الميكروباصات والباصات وأغلب قطع التبديل لآلات المصانع. علما أن احتياجات محطات المعالجة بسيطة.
والى أن ينجز هذا المشروع يجب ألا يقف المعنيون موقف المتفرج، ذات مرة طرح المرحوم الصحفي محمد الحافي كبير صحفيي سانا أن تعتبر محافظة دمشق مجرى بردى (المبلط) داخل دمشق كشارع من شوارع المدينة وأن يقوم عمال النظافة بكنسه يوميا، نفذت الفكرة بحماسة لفترة محدودة ثم طواها النسيان.
نجدد طرحها مع الإشارة إلى أن العجز المائي المتفاقم في سورية والمقدر حاليا بملياري متر مكعب في السنة، يجب أن يحفز على العمل لتنفيذ طلب من رئيس مجلس الوزراء إلى وزارة الموارد المائية منذ ستة أشهر تقريباً، أن تعمل على تحلية مياه البحر، لحل مشاكلنا مع المياه، إن هذا المشروع وقد فتحت له الخلايا الكهرضوئية آفاقاً رحبة لجهة تقطير المياه بالمجان، سيوفر على الأقل غدقاً بمياه الشرب هو النعيم بحد ذاته. الفكرة قديمة (ومثلها جر مياه الفرات) ويجب تنفيذ الفكرتين بتفان والاستعانة بالشعب كله، لأن الماء حياة ولأن الحمل على الجماعة خفيف.