في اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة.. هل أنصفتهم الدراما وكيف قدمتهم للمجتمع؟
| مصعب أيوب
تتعدد التسميات والتعريفات التي تطلق على شخص يعاني من مشكلة جسدية أو حركية ما ولا بد من التنبه للتسمية قبل اعتمادها، وقد تطرقت الدراما التلفزيونية وكذلك الأعمال السينمائية للمعوقين بشكل أو بآخر بصور مختلفة وأظهرت ذوي الاحتياجات الخاصة بصورة غير لائقة أحياناً، ولكن تلك الأعمال تطرقت إلى الإعاقة بوجه عام من دون الغوص في غمار هذه الحالة وتحدياتها وحيثياتها وتفاصيلها أو معاناتها الشخصية.
نقدم في هذه المادة تزامناً مع اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة عدداً من الأعمال الدرامية السورية التي توسعت في شخصية وحياة ذوي الاحتياجات الخاصة وقدمته أحد أبرز وأهم خطوط العمل الدرامي كاسرةً الصورة النمطية التي اعتاد الجمهور عليها.
رسالة إنسانية صادقة
تأتي أهمية هذه الأعمال في تبنيها بالدرجة الأولى لقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال تشريح همومهم وتحليل نظرة المجتمع لهم وطريقة تعاطي العائلة والوسط المحيط بهم معهم، وهم هذه المرة جزء أساسي من حبكة العمل بعيداً عن الحضور العابر، فقدمت تلك الأعمال عدة تساؤلات تمحورت في مجملها حول جوانب نفسية وأخلاقية ودينية واجتماعية ولعل أبرزها أحقية الأهل بإطلاق رصاصة رحمة على جنينهم حين اكتشفوا في وقت سابق للولادة وجود مشكلة خلقية جسدية أو عقلية.
أو هل يحق لنا حرمان ذوي الاحتياجات الخاصة من ممارسة حقوقه الطبيعية تماماً كالأشخاص الأسوياء من زواج وعمل وما إلى ذلك؟
فكانت تلك الأعمال تكشف العوالم الخفية لهؤلاء الأشخاص مقدمةً طرحاً جديداً من حيث المضمون والموضوع وطريقة المعالجة، وركزت على احتياجات ذوي الاحتياجات الخاصة وأسهمت في رفع مستوى الوعي حول كيفية التعاطي معهم وتصحيح النظرة العامة المغلوطة حولهم، وحملت هذه الأعمال رسالة إنسانية صادقة وعظيمة من خلال الحالات البائسة التي تعاني نفسياً واجتماعياً وجسدياً مع نفسها ومن حولها.
وضع خاص ومبدع
في مسلسل العشق الحرام الذي يعرض عدة قصص حب بنيت على أساس غلط أو ربما تقترب في لحظات كثيرة من الخطوط الحمراء تقف شخصية الشاب سالم العاجز عن الحركة بعد شلل أصابه ليتشارك البطولة مع يزن الذي كتب له القدر أن يحيا من دون بصر ولكنه يتمتع ببصيرة متميزة، فقدم البطلان أداء متميزاً تملؤه العاطفة ويحركه الوجدان ليقدما لنا رسالة إنسانية داعمة لمبدأ عدم التمييز بين الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والأسوياء.
وقد ركز العمل على أن ذوي الاحتياجات الخاصة لا يمكن أن تحد الإعاقة من إبداعه وموهبته فتمثل ذلك بشخصية يزن الذي ينسج بأصابعه الساحرة أجمل الألحان على البيانو، وقد رصد العمل عدداً من النفسيات المتنوعة في المجتمع التي يغلب عليها طابع الشر ولكن الخير والأشخاص الطيبين يتمثلون بذوي الاحتياجات الخاصة.
ينهي مخرج العمل تامر إسحاق حكايته بتبرع سالم ليزن بعينيه بعد عمل جراحي ليؤكد لنا كاتب العمل على كم الإنسانية والوجدانية العالية لدى ذوي الاحتياجات الخاصة بحيث تجعل الإعاقة كل شيء غير ذي ثمن بالنسبة لهم وبأن ذوي الاحتياجات الخاصة بعد أن يجد اهتمام من حوله به وما يتولد لديه من شعور بالفرح والرضا يجعله يتمنى أن يغير العالم بأكمله ويقدم يد العون حتى لمن لا يعرفهم.
عاطفة الأمومة الغالبة
قدم الفنان بسام كوسا شخصية بدر في مسلسل وراء الشمس الذي اعتبر نقلة نوعية وعملاً فريداً من نوعه في الدراما السورية، ولاسيما من خلال قيامه في الدرجة الأولى على الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة فجعل منهم أبطالاً للعمل، وبدر الذي ينتمي لعائلة متواضعة وفقيرة الحال يعاني من التوحد ويعمل في مهنة إصلاح الساعات التراثية والأنتيكا التي ورثها عن والده إثر ارتياده لورشة الصيانة التي كان يعمل بها والده قبل وفاته، فكان أن أتقن هذه الصنعة ببراعة وتميز فيها فلا يعجز عن إصلاح أي ساعة مهما كان نوعها، ولكن الرجل الذي يعمل لمصلحته يستغل إعاقته ويتعامل معه بطريقة غير لائقة.
في خط آخر من العمل ذاته يتقاسم الشاب علاء الزيبق المصاب حقيقةً بمتلازمة داون البطولة مع بسام كوسا، ولكن الفارق بينهما أن علاء ينتمي لعائلة ميسورة الحال.
وفي خط ثالث من العمل يقدم لنا صراعاً بين زوجين عبادة ومنى اكتشفا أن الجنين الذي تحمله الأم في رحمها لديه مشاكل هرمونية وراثية ربما تشكل له إعاقة، وهو ما شكل قلقاً كبيراً لهما ووضعهما في خلاف كبير بين الأب الذي يريد أن يجهض الجنين ويتخلص منه لكي لا يكون سبباً في تعاسته، والأم التي تغلبها عاطفة الأمومة وتصر على إبقائه، ولاسيما بعد تأثرها بعلاء الذي سكن مؤخراً بجوار منزل أهلها وما وجدته منه من مشاعر نبيلة وروح طفولية مرحة، إضافة إلى تعاطفها أيضاً مع بدر عندما تأتي به أمها من ورشة خالها في تصليح الساعات لقضاء بعض الحاجات ومساعدتها في تدبر أمور المنزل، ولعل هذين المثالين هما ما جعلا منى تصر على إنجاب المولود المرتقب رغم الإعاقة.
حق التدريب والتأهيل والرعاية
يبدأ مسلسل قيود الروح بلقاء عابر لثلاث أمهات في إحدى مستشفيات التوليد عام 1983 ليروي قصصاً إنسانية واجتماعية ويلج إلى أعماق النفس البشرية ملامساً التفاصيل الصغيرة فيقدم عدداً من القصص المشوقة تتمحور في جوهرها حول ٣ عائلات تتباين في كثير من الاتجاهات، فتمر شخصياته عبر خمس مراحل زمنية متناولاً الإعاقة الذهنية بأسلوب درامي عميق، ويركز العمل على أن المراكز المختصة والدعم الأسري والتدريب يمكن أن يحدث فارقاً جوهرياً لدى ذوي الاحتياجات الخاصة مؤكداً أن وجود طفل معوق ليس بالأمر الكارثي وألا يجب إهماله وعدم رعايته، وقد أضاء العمل على التفاصيل اليومية المتعلقة بالتربية والتأهيل والتدريب وطرق اندماج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع.
وبالتزامن مع شخصية بدر التي قدمها بسام كوسا أطل علينا في العام ذاته في قيود الروح بشخصية والد الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة ذهنياً (فراس) علي سكر ولكن كوسا في العمل يضيق ذرعاً بإصابة ابنه ويعنفه ويتخلى عن عائلته ويعتقد أن خطط زوجته جميعها فاشلة ومحاولاتها المستمرة في تدريبه وتعليمه لن تجدي نفعاً لتقول الحلقات الأخيرة كلمتها التي تثبت عكس ذلك، وكان قيود الروح ينطلق في تعاطيه مع الإعاقة من مبدأ التشارك وليس الشفقة مركزاً على الظلم الذي تتعرض له هذه الشريحة في المجتمع.
حوادث سير
الأمثلة كثيرة في الدراما السورية التي تطرقت إلى موضوع الإعاقة ولا يمكن حصرها في مادة صحفية واحدة ولكن لا بد من التذكير ببعضها، ومنها شخصية زهرة (ديمة الجندي) في باب الحارة التي لا تستطيع النطق ولكنها بارعة في علاقاتها الاجتماعية مع أسرتها وزوجها لأنها تفيض بالمشاعر والعواطف، وكذلك (جواد باشا) خالد تاجا في عشتار الذي يستعين بكرسي متحرك للتنقل بعد أن شلّ حادث سير حركته ولكنه رجل كريم ومعطاء، ولا ننسى إبداع عبد المنعم عمايري في شخصية (وائل) في «ظل امرأة» الذي يفقد بصره بعد حادث سيارة برفقة زوجته التي طالما تغنى بها وألّف لها الأشعار والقصائد ليشكل العمى نقطة تحول في شخصيته وعلاقاته بمن حوله، ولعل أسوأ ما حصل لوائل رفض زوجته لإعاقته وعدم تجاوبها معه وتركه يعارك في الحياة وحيداً من مبدأ الأنانية، ولدينا أيضاً إصابة رامي (ميلاد يوسف) في «أعيدوا صباحي» الذي تعرض لحادث سير أفقده القدرة على الحركة وشكل ذلك أيضاً عائقاً في علاقاته الاجتماعية ما جعله شخصاً مزاجياً وأنانياً في علاقته بأخوته وعائلته.
موهبة وقدرات عالية
قدمت الطفلة حياة مارديني المصابة حقيقةً بمتلازمة داون أداء بارعاً في تجسيد دورها في مسلسل مقابلة مع السيد آدم في جزئه الأول بشخصية (حياة) ابنة الدكتور آدم الذي يعمل في الطب الشرعي وتتعرض ابنته للخطف من عدة أشخاص من أجل الضغط على والدها لتغيير تقريره في الطب الشرعي حول مقتل أحدهم، ولم يكن أداء علاء الزيبق في وراء الشمس أقل كفاءةً مما قدمته حياة فجعل المشاهدين يتفاعلون معه وبدون تعاطفهم مع حالته، فأثبتت مشاركتهما هاتين بأن لديهما طاقات وقدرات عجيبة من خلال تقديمهما بصورة صادقة، وأكدت الدراما أن لهؤلاء الأشخاص قدرات وإمكانات غير محدودة وتحتاج فقط للتدريب والتأهيل، ولعل أبرز ما يثبت هذا القول هو طريقة تعاطي وتعامل كل من علاء وحياة مع الكاميرا وفريق التصوير والإخراج، فأظهرا البراعة والأداء المتميز على الرغم من عدم دراستهم للتمثيل.
مما لا شك فيه أن هذه الأعمال تثبت أن للدراما دوراً توعوياً وتثقيفياً محاولةً إلقاء الضوء على أصحاب الهمم ودمجهم مجتمعياً، وقد غيرت هذه الدراما الصورة النمطية لدى المجتمع عن ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال إبراز الجوانب الداخلية الجميلة والمزايا الحسنة التي يتميز بها هؤلاء الأشخاص عن غيرهم مشددة على أن الحاجات الخاصة لا يمكن أن تكون عائقاً في حياتهم وتعاملهم مع الناس، كما أن هذه الأعمال أكدت ضرورة إجراء فحوصات تحاليل ما قبل الزواج.