قضايا وآراء

الأمم المتحدة تؤكد «المؤكد»

| عبد المنعم علي عيسى

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الـ 28 من تشرين ثاني المنصرم قراراً بخصوص الجولان السوري المحتل جاء فيه: «قلقون للغاية إزاء عدم انسحاب إسرائيل من الجولان السوري الذي تم احتلاله في حزيران 1967 خلافاً لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الشأن»، قبيل أن يضيف: إن «احتلال الجولان السوري وضمه فعلياً لإسرائيل يشكل عائقاً في طريق تحقيق السلام العادل والشامل والدائم في المنطقة»، وإذا ما كان القرار – الوثيقة يمثل حالة باتت تقليدية عموماً منذ صدور القرار 242 للعام 1967 الذي قضى بـ«انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها بعد 5 حزيران 1967»، ثم أضحت أكثر خصوصية بعد إعلان حكومة مناحيم بيغن عن «ضم الجولان إلى السيادة الإسرائيلية» يوم الـ 14 من كانون الأول 1981، حيث أصدر مجلس الأمن الدولي في أعقاب ذلك الإعلان قراراً حمل الرقم 497 جاء فيه: إن «قرار إسرائيل بضم الجولان السوري المحتل هو قرار ملغى وباطل»، إلا أن الأمر اكتسب خصوصية ذات دلالات انطلاقاً من اعتبارات ثلاثة، أولها التصعيد العسكري الحاصل في غزة منذ الـ 7 من تشرين أول المنصرم والذي حذر مندوب روسيا الدائم فاسيلي نيبينزيا في جلسة عقدها مجلس الأمن في يوم تصويت الجمعية العامة من أن «سورية وجيرانها في المنطقة على وشك الانجرار إلى الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي» قبيل أن يضيف: إن «حل الصراع يقتضي النظر في كل تفرعاته التي تطول دول الجوار»، وثانيها هو مشاركة اثنتي عشرة دولة، هي في جلها عربية، إضافة إلى سورية، في صياغة ذلك القرار الذي يمكن القول: إنه جاء عبر صياغته، كحالة متقدمة على الحالات «التقليدية» التي ما انفكت سجلات الأمم المتحدة تراكمها منذ نحو ستة عقود، وثالثها هو نتائج التصويت التي جاءت كاشفة لخريطة دالة على التراصف السياسي الدولي تجاه ما يجري التصويت عليه.

احتوى القرار – الوثيقة على ثمانية أحكام لكن الأهم منها اثنان، الأول هو التأكيد على أن «إسـرائيل فشــلت حتى الآن في تنفيذ قرار مجلس الأمن الــدولي ذي الرقم 497 لعام 1981 الذي يقضــي بأن إعلان إسرائيل لضم الجولان باطل»، والثاني هو مطالبة الاحتلال بـ«الانسحاب الكامل مــن الجولان الســوري المحتل حتى خط الرابع من حزيران 1967»، وهذا يشير إلى تحميل إسرائيل مسؤولية التهرب من استحقاق الاستقرار الشامل، والفعل يكتسب أهمية مضاعفة لجهة تبني 9 دول عربية لتلك الرؤية خصوصاً في ظل «الهرولة» العربية تجاه التطبيع مع كيان الاحتلال، أما خريطة التصويت فتقول بـ91 دولة قالت نعم و8 دول عارضت واللافت هو اتساع لائحة الممتنعين عن التصويت التي سجلت رقما وصل إلى 62 دولة وهذا الأمر له حساباته السياسية الراهنة ومن الممكن فهمها من خلال القول: إن أغلبية تلك الدول، الممتنعة عن التصويت، سبق لها وأيدت قرارات شبيهة بالقرار الحالي لكنها لم تكن في يوم من الأيام في موقع المعترض ولذا فإن صيغة «الامتناع» تأتي تعبيراً عن حسابات تنأى بنفسها عن استفزاز دول ذات تأثير على خياراتها الراهنة، أما معسكر المعارضين الذي ضم 5 دول رئيسية هي الولايات المتحدة وإسرائيل وكندا وأستراليا وبريطانيا وهي ضمت إليها ثلاث أخرى، ميكرونيسيا المتحدة وبالاو وجزر مارشال، هي أشبه بـ«المحميات» السياسية للأولى التي تخضع مواقفها للاعتبارية السابقة.

قد تكون القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة لكن ما يصدر عنها يستحضر مناخاً دولياً معبراً عن مسألة ما تعاني انسداداً لدى الفرع الآخر لهذي الأخيرة الذي تتصف قرارته بـ«الملزمة»، والذي نقصد به هنا مجلس الأمن الذي تمثل قراراته رمزاً لـ«الشرعية الدولية»، إلا أن ذلك لم يمنع، مثلاً، توقيع دونالد ترامب الذي كان يرأس دولة دائمة العضوية وهي تتمتع بحق النقض أو «الفيتو» في آذار من العام 2019 على قرار تعترف بلاده، من خلاله، بـ«سيادة إسرائيل على الجولان السوري» في انتهاك صارخ لكل القرارات الدولية ذات الاختصاص بدءاً من القرار 242 ووصولاً للقرار 497، وتلك إشكالية كبيرة تعترض عمل المنظمة الأممية الذي بات مشوباً بشوائب كثيرة ليس أكبرها أن القوانين والتشريعات تظل رهينة مصالح واعتبارات لدول ذات نفوذ حتى لتصبح تلك القوانين والتشريعات صالحة للتطبيق فقط في حالة توافقها مع المصالح والاعتبارات آنفة الذكر، والمؤكد هو أن حالاً كهذه الحال تطرح العديد من إشارات الاستفهام وعلامات التعجب تجاه نظام دولي جهد مصمموه، عندما قاموا بالفعل نهاية الحرب العالمية الثانية، على سد الثغرات والفجوات التي غالباً ما أدى تكاثفها إلى تشكل الغيوم والضباب اللذين كانا يشكلان نذيراً دائماً بقرب مواعيد الإعصار على نحو ما حصل 1914 و1939.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن