مع انقضاء الشهر الثاني من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانتهاء الهدنة بين الاحتلال والمقاومة، طفا على السطح جملة من المتغيرات، سواء على ضفة الجانب الصهيوني، أم على الضفة العالمية بين مؤيد أم رافض للعدوان، ليكون الأبرز في تلك المتغيرات، أهداف العدوان وتدحرجها من القضاء على المقاومة في غزة وتحديداً حركة حماس، إلى إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة، من دون تحقيق الأخيرة أي إنجاز يمكنها من التفاخر به أو البناء عليه لاحقاً.
من المؤكد أن قادة الكيان لم ولن يفصحوا عن فشلهم في تحقيق الهدف الذي أعلن من بدء العدوان، إلا أن الميدان وأرض الواقع تؤكد ذلك، وتؤكد أيضاً مدى التخبط الذي يعانون منه، ودخولهم في دوامة ومتاهات غزة، ليتبادر إلى الذهن بعد شهرين من العدوان المتواصل العديد من الأسئلة، هل بإمكان قادة الكيان القضاء على المقاومة وحماس، وهل بإمكانهم تحقيق مخططهم بتهجير سكان القطاع إلى خارجه، وهل بإمكانهم تحرير أسراهم من دون الخوض في غمار تفاصيل معادلة المقاومة بتبييض السجون الإسرائيلية، وبعد الشهرين، هل ما زالت جميع تلك الأهداف محل دراسة لدى أولئك القادة، أم إن ثمة شيء جديد تغير، وبأن الهدف الأكبر الذي باتوا يحلمون في تحقيقه هو الخروج من غزة بأقل الخسائر، أو بمكسب ولو كان بمنتهى الصغر يقي رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو من المحاكمة والعقوبة بتهم الفساد والخيانة والفشل العسكري؟
في الإجابة على ما تم طرحه من أسئلة سابقة، وبما يخص موضوع التهجير، جاء على لسان صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية حين كشفت عن أن تل أبيب أبلغت مصر والأردن والإمارات والسعودية، نيتها إنشاء منطقة عازلة على الجانب الفلسطيني من حدود قطاع غزة منعاً لوقوع هجمات في المستقبل، في مؤشر على إخفاق مشروع التهجير، وإحدى الخطوات للنزول من على أعلى الشجرة.
أما عن مآل الهدف الأكبر بالنسبة للكيان وهو القضاء على حماس، فقد أوضحه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت الماضي من على هامش قمة المناخ التي عقدت في دبي بقوله: «ماذا يعني القضاء على حماس بالكامل؟ هل يعتقد أحد أن هذا ممكن؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإن الحرب ستستمر 10 سنوات»، ولذلك دلالات كبيرة وكثيرة، وخاصة أن ماكرون هو ذاته من دعا سابقاً وعلناً إلى إرساء تحالف دولي ضد حركة حماس، شبيه بالتحالف ضد تنظيم داعش الإرهابي، لتعكس كلماته حقيقة الواقع، وربما هو كلام إسرائيلي بلسان فرنسي.
فهل إذن يسعى قادة الكيان الصهيوني السياسيين والعسكريين إلى إعادة احتلال غزة؟ هذا الاحتمال وإن تم إعلانه من إسرائيل فهو أمر صعب التحقيق، لارتباطه العضوي بهدف القضاء على حماس والذي هو صعب التحقيق أيضاً، إضافة إلى أن إعادة الاحتلال سيؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة في صفوف جيش الاحتلال، وهو ما لم ترغب فيه إسرائيل، كما أن «المجتمع» الإسرائيلي غير مهيأ لقبوله، في ظل انقسام حاد في صفوفه بين يمين ويسار سياسي، وخاصة أنه لم يمح من الذاكرة الصهيونية بعد حجم الوجع الذي سببته المقاومة لهم، قبيل الانسحاب الإسرائيلي من القطاع عام 2005.
مع بزوغ شمس كل يوم جديد من عمر العدوان الإسرائيلي على غزة، ثمة سيناريوهات وتكتيكات إسرائيلية تتغير، بفعل سوء التقدير، واختلاف بين «حسابات الحقل الصهيوني والبيدر الفلسطيني»، لينعكس مجمل ذلك في الداخل الإسرائيلي عبر تعالي الأصوات المعارضة للتكتيك العسكري والمشككة في جدوى «الحرب»، لتقتصر المطالبات على تحقيق هدف واحد دون سواه وهو إطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة فقط، تقول «يديعوت أحرونوت»: «من المشكوك فيه أن يكون لإسرائيل أكثر من أسبوعين للقتال، وأن يكون ممكناً خلالهما تحقيق الأهداف الواسعة التي أعلنت عنها القيادة السياسية في بداية الحرب، فحماس يجب أن تتلقى ضربة تنزع عنها قدراتها، لا جدال على هذا، والجيش الإسرائيلي لا يمكنه أن يقفز عن معقل الإرهاب في خان يونس، لكن لن يكون هناك نصر، ومن الأفضل تخفيض مستوى التوقعات، والتوجه بأسرع ما يمكن إلى مسيرة التعافي والترميم، أولاً وقبل كل شيء لإعادة المخطوفين».
وفق المعطيات العامة، فإن الإسرائيلي لن يتمكن من الاستمرار طويلاً في عدوانه، فهو بخلاف المقاومة الفلسطينية، لا يملك ترف الوقت، بل إن الأخير تحول إلى لعنة تلاحقه وجميع داعميه خاصة في الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يشي بأن الأيام القليلة القادمة ستشهد كما كبيراً في الإجرام الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في غزة، لدفع المقاومة إلى الرضوخ لشرط الإفراج عن الأسرى، وجملة من الشروط الأخرى ليتمكن نتنياهو من الظهور أمام «المجتمع» الصهيوني بصورة البطل المنتصر، وهذا حلم إبليس في الجنة.