دخلت لإحدى الصيدليات، (كحال السواد الأعظم الذي بات يرجئ مراجعة الطبيب إلى الحالات الاستثنائية التي تستأهل التضحية بمبالغ لم تعد بالقدر القليل)، لشراء حبوب لمعالجة حالة الالتهاب التي تسبب بها، وعلى ما يبدو عدوى انتشرت مؤخراً مع بداية موسم الشتاء الذي يزيد من وطأته كسل حكومتنا بتوزيع مخصصات مازوت التدفئة، لأكتشف عن طريق المصادفة سراً عظيماً حاولت وزارة الصحة إخفاءه والتكتم عليه بأنها قامت برفع أسعار الأدوية.
الزيادة كما جرت العادة في كل المرات السابقة التي اعتدنا تواليها وضمن فترات باتت تقصر مرة تلو الأخرى، لم تكن بسيطة، وتراوحت بين 70 و100 بالمئة.
حالة رفع الدواء قد تكون بعيدة بعض الشيء عن هذا الواقع إذ إنه من الطبيعي أن يتوقف صاحب المعمل عن الإنتاج في حال الخسارة، وأن يطالب بأن تتناسب أسعار المستحضرات التي ينتجها مع أسعار التكلفة التي تعرضت فعلاً في السنوات الأخيرة لتضخم لم تستطع الحكومة أن تجاريه باحتساب التكلفة التي وفقاً لواقع الصرف.
الحل الذي كانت الحكومة تعمل وفقه في السنوات السابقة لم يلق النجاح وكان من المستحيل أن يستمر، عبر قيامها بالضغط على منتجي الأدوية لقبولهم بالإبقاء على التسعيرة أقل من التكلفة وهو الأمر الذي لم تقبله على المنشآت المملوكة من قبلها في كل المجالات بما فيه مجال الصناعات الدوائية، إذ إنها تقوم بشكل دوري برفع أسعار المنتجات المنتجة من تاميكو وبما يتناسب مع التكلفة وتحقيق هامش من الربح.
فمن الطبيعي توقف المعامل عن العمل عند الخسارة وبالتالي لن يعود هناك أدوية من صناعة وطنية تكفي احتياج المواطنين، الأمر الذي سيضطر الكثيرين للتوجه إلى الأدوية المهربة غير المعروفة الموثوقية وتكبد مبالغ من المؤكد أنها ستكون مرهقة جداً، إذا من الطبيعي أن يتم رفع أسعار الأدوية بما يتيح استمرار إنتاجها، وأن تكون النتيجة عجز الكثيرين عن اقتناء العلاج اللازم مع ارتفاع سعره، لنصل بالمحصلة إلى أن المشكلة الوحيدة التي تتقنها الحكومة جيداً هي دخل الموظف الذي بات لا يسمن ولا يغني من جوع، الأمر الذي علق عليه جاري الصيدلاني بغضب كظيم بأن المرض أصبح في يومنا هذا رفاهية ليست متاحة للجميع.
كلام جاري الصيدلاني بقي يدور في خلدي وأنا أتذكر حالاً بات غير الحال، وأنه كان فيما مضى في بلادي، تعتبر السيارة الفارهة وامتلاك المنزل في الأحياء الراقية رفاهية قد لا تكون متاحة للكثير من أبنائه، ومع مرور سنوات الحرب وازدياد تبعات الحصار الاقتصادي بدأت القائمة بالاتساع، حتى بات الركوب بسيارة الأجرة نوعاً من الرفاهية.
لم تقف كرة التضخم حتى اليوم عند حد واضح فما زالت مع كل قلبة يومية لها تتسع لتضيف الصنف تلو الآخر إلى قائمة الممنوعات (الرفاهيات)، مروراً بالكهرباء والدفء بالشتاء، حتى وصلنا إلى وقت باتت فيه طيبات الطعام والشراب عند السواد الأعظم من الناس من الرفاهيات.
يأس الكثيرين لم يعد حتى يدفعهم إلى التساؤل عن سبب الارتفاعات المتتالية للأسعار في كل السلع والخدمات العامة والخاصة، رغم أن السواد الأعظم يعرف أنه لا يوجد أي مبررات اقتصادية لهذه الارتفاعات الحاصلة، فسعر الصرف على استقرار منذ شهور، ولم يشهد أي تحركات قوية من شأنها أن تنعكس على واقع التسعير، وحوامل الطاقة مازالت على السوء نفسه الذي يتشكل وفق كل موسم وفصل.
ناهيك عن تذليل الدولة للكثير من الحجج التي كان يتعلل بها الكثير من التجار كالمنصة والحواجز و.. ، لم ينعكس على أي انخفاض أو حتى تثبيت للأسعار؟
بحسبة بسيطة يتضح أن راتب الموظف بات لا يكفي ثمناً لوجبة جاهزة، ولا حتى عاد يغطي إفطار عائلة متوسطة الحجم بالحد المأمول من التنوع والتغذية لأسبوع، حتى باتت آماله تضيق بالمتاح من الاحتياجات، ومن قدرة الحكومة على التدخل لمساعدته في تأمين أدنى متطلبات الحياة، ولا حتى في قدرتها على ضبط جشع الأسواق والتجار، حتى وصل به الحال إلى درجة يخشى فيها أن يأتي وقت تصبح به شربة الماء رفاهية!
السادة في الحكومة.. المشكلة في الدخل.