اقتصاد

في القرن الـ21: مشاريع بمواعيد.. «بين الصلاتين»؟

| د. سعــد بساطـة

ضمن أساسيات التخطيط لإنشاء مشروع ما؛ هنالك المعـدات ورأس المال والعـمالة والمعـرفة (المهارات) والعـديد من العـناصر الأخرى؛ ولكن وخصوصاً في عـصرنا هذا فالجائزة الكبرى هي للسرعـة؛ لمن يسبق للأسواق؛ للاكتشافات؛ للابتكار.

ما مـن مورد –غـير متجدد- أسيء استخدامه كما الزمن؛ وبالأخص في شرقنا!

يتناقل الأجانب –بذهول- مواعـيدنا (بين الصلاتيـن)؛ واسترخائنا في كل ما يمت للتوقيت..

ولعـل الساعـة التي يفخر كثيرون باقتناء أغـلى «البراندات» منها؛ هي مجرد قطعـة لتزيين المعـصم كأيـة حلية؛ أما أن يوقـّت أحدنا مساره ومهامه تبعـاً لها؛ فهذا ما لا يمكن حصوله!

سؤال: هل تعـرفون ديكور أول صورة يرسلها البنغـالي لأهله بعـد أول راتب له في الخليج؟

بسيطة: صورته ماداً ذراعـه؛ ليريهم أنه انتقل نوعـياً؛ وبات يقتني ساعـة يد! ونحن مازلنا لا نعـير الدقائق؛ ولا الساعـات (وحتى الأيام) أدنى اهتمام..

توصي كل أدبيات الإدارة؛ بفحص برنامج عـملك اليومي؛ بغـية اكتشاف أين تضيع ساعـات وقتك المهدورة في العـمل؛ هل بتبادل الأحاديث؟ أم بالمحادثات الهاتفية؛ أم بفتح بابك لمن هبّ ودبّ (وبالتالي يتحول مكتبك إلى ديوانية للقاء الأصدقاء) ولا تشعر إلا والنهار قد انقضى من دون أن تنجز شيئاً يـُذكر!

هل سمعـتم بقانون باركنسون للزمن؟ عـلى الأغلب الإجابة: لا.

هو قانون قائم على مفهوم أن العمل يتوسع لكي يملأ كل الوقت المتاح لإنجازه، وهذا يدعو إلى عدم تخصيص وقت أطول لتنفيذ عمل ما.

أي إذا طـُلب منك تقرير بدراسة عـن موضوع ما؛ لبعـد شهر: تبقى أسبوعـاً لتحضير رؤوس الأقلام؛ وفي الأسبوع الثاني وضع مسودة المشروع؛ وفي الثالث اللمسات الأخيرة؛ وفي الأسبوع الأخير يأخذ التقرير شكله النهائي.. أما إذا كان الزمن المتاح ثلاثة أيام.. فحسب باركنسون؛ يتم اختصار مراحل إنجاز المهمة إلى: أول وثاني وآخر يوم. (يعـني بتسطيح الأمر: مد رجليك عـلى قد بساطك).

إليكم –ضمن ذات السياق- خبر مدهش «أثناء الألعـاب الأولمبية التي أقيمت في لندن 1908؛ وصل الفريق الروسي إلى الحاضرة البريطانية متأخراً: أسبوعـين بالتمام والكمال؛ أي والله؛ والسبب: خطأ في التقويم الجريجوري! لكون الروس تأخروا عـشرة سنوات بتبنـّيه بعـد صعـود البلاشفة؛ وفي 1911 أنشأ الروس لجنة أولمبية للتوثـّق من عـدم تكرار الحوادث السابقة المؤسفة.

وتساؤلي الآن: كم – لدى مطلع 2024- من فرق رياضية وغـير رياضية؛ كم من شركات؛ أو حتى دول.. تصل متأخرة للسباق؟ لأسباب (لا تتعـلـّق بالروزنامة المعـلنة)؛ بل لأسباب أخرى –غـير معـلنة-!

لم يعـد حجم الشركة الأكبر هو المهم؛ أو مدى تمكنها من التقانة؛ ولا حتى استيلائها عـلى أسواق التصدير؟ ماذا إذن!.. إن السر يكمن في مرونتها؛ أي بمعـنى آخر سرعـة تأقلمها مع التغـيـّرات واستيعـابها والتصرّف بناء عـليها.. (أليس جمود «نوكيا» وبطؤها في التغـيـّر الرقمي تبعـاً لطلب السوق؛ هو ما قذف بها بعيداً عـن المنافسة في سوق الهاتف المحمول؟).. وهذا ما يميـّز المنشآت متناهية الصغـر عـن تلك الكبرى؛ فهي تتغـيـّـر وفقاً لطلب السوق بساعـات (وأحياناً قبله)؛ أما الكبيرة الحجم الثقيلة الحركة (ألم تنقرض الديناصورات بسبب بطئها!؟) فتحتاج لروتين ولجان واجتماعـات بعد ما يكون (اللي ضرب. ضرب؛ ويللي هرب. هرب!)..

يكثر الحديث عـن الذكاء الاصطناعـي وقدرات الحاسوب العـجيبة؛ لذا أختم بطرفة: سألوا الحاسوب «أيهما أفضل: ساعـة تؤخـّر عـُشر ثوان كل شهر؛ أم ساعـة واقفة؟»؛ أجاب صاحبنا بلا تردد «الواقفة؛ فهي تعـطينا الوقت الصحيح مرتين في اليوم»..!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن