استند الكيان الإسرائيلي منذ الإعلان عنه عام 1948 على العمل على زيادة ما يسمى «قدرة الردع العسكرية» لمنع أي مقاومة مسلحة يقوم بها جيش أو دولة ومنظمة أو فرد ضد احتلاله لفلسطين ولم ينجح في تحقيق هذا الهدف حتى هذه اللحظة بعد حروب وأشكال عدوانية عسكرية كثيرة ووحشية ضد الفلسطينيين وسورية ومصر والأردن ولبنان، ولا تزال المقاومة المسلحة مستمر، ومع اتساع حملات تنديد الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي بهذا الكيان واحتلاله ومذابحه وسياساته العدوانية والعنصرية ضد الفلسطينيين ازدادت حملات التنديد به وكذلك دعوات نزع الشرعية عنه وعن استمرار وجوده ككيان عنصري أوروبي غاصب لوطن الآخرين على غرار الكيانات العنصرية التي أقامتها بريطانيا للبيض الأوروبيين المستعمرين في إفريقيا في القرن الماضي ثم زالت من الوجود.
ويبدو من الواضح أن المذابح الصهيونية التي ينفذها الكيان بأطفال ونساء فلسطين في هذه الأوقات في قطاع غزة ولّدت على المستوى العالمي رأياً عاماً واسعاً في كل أنحاء المعمورة يطالب بنزع الشرعية عن آخر الكيانات الاستعمارية الاستيطانية الأوروبية في فلسطين، وهذا ما دفع المؤسسات التشريعية الأميركية في الكونغرس ومجلس النواب، وهي الشريكة بارتكاب المذابح في قطاع غزة وفي توسيع الاستيطان، إلى استصدار قانون «يعد كل من ينتقد الصهيونية ويصرح بأن إسرائيل دولة احتلال معادياً للسامية ويستوجب فرض العقوبات عليه». ففي الخامس من كانون الأول الجاري صدّق مجلس النواب الأميركي وكذلك مجلس الكونغرس بأغلبية 92 عضواً ومعارضة 13 على قانون «يدين كل من يعادي الصهيونية بمعاداة السامية» أي معاداة اليهود، مع أنه توجد بين الجاليات اليهودية نسبة كبيرة من غير المؤيدين للصهيونية، بل إن جميع الجاليات اليهودية المتدينة من اليهود الأرثذوكس، أي السلفيين، في الولايات المتحدة والعالم، تعد نفسها معادية للصهيونية، ولهذا السبب وجه عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي في نيويورك اليهودي جيري نادلير بموجب ما جاء في المجلة الإلكترونية «أنتي وور» في الخامس من كانون الأول الجاري انتقاداً للتعريف الخاص بمعاداة الصهيونية قائلاً: «إن هذا القانون يفتقر إلى المنطق من ناحية فكرية أو إنه مخطئ في واقعه وهو يورطني مع الكثيرين من اليهود المتدينين السلفيين الذين انتخبوني في بروكلين لأنهم معادون للصهيونية بموجب تدينهم السلفي»، وجاء في القانون أيضاً وبلغة صريحة أن كل من ينتقد إسرائيل يعد معادياً للسامية ويستوجب العقاب.
يذكر أن كل رئيس أميركي لديه مبعوث خاص لملاحقة كل «المعادين للسامية» في دول العالم وله مكتب وطاقم عمل خاص في مكتب وزارة الخارجية الأميركية نفسه باسم «المبعوث الخاص لرصد ومحاربة معاداة السامية»، ومن صلاحياته القيام بزيارات تفقدية للدول الصديقة للولايات المتحدة للتحقق من عدم وجود مظاهر معادية للسامية فيها، وهو يرسل تقاريره إلى الرئيس لاتخاذ الإجراءات المطلوبة ضد أي دولة ينقل عنها وجود مظاهر معادية للسامية، وكأن الولايات المتحدة تصوغ وحدها وحسب مصالحها تعريفات وقوانين تعممها على دول العالم لتبنيها وإن لم تفعل ذلك فسوف تفرض عليها ما يلزم من عقوبات. وعادة ما يختار الرئيس الأميركي مبعوثه هذا من اليهود الأميركيين الصهيونيين، والرئيس الأميركي جو بايدين عين منذ توليه منصب الرئاسة اليهودية الأميركية من أصل ألماني ديبورا ليبشتادت مبعوثاً خاصاً لهذه المهمة وموقع مكتبها الإلكتروني في الموقع الإلكتروني نفسه لوزارة الخارجية الأميركية، ويعمل مع المبعوث الخاص عدد كبير من المبعوثين والمنسقين والموظفين والمستشارين الأميركيين في مختلف دول العالم يقدمون له تقارير دورية واستثنائية، وبسبب الحرب الوحشية الإسرائيلية على القطاع أصدر مكتب ليبشتادت بياناً في السادس من كانون الأول الجاري بتوقيع جميع المنسقين والمستشارين في مختلف الدول يحذرون فيه الدول من عواقب معاداة السامية إذا ما نددت بما يقوم به جيش الاحتلال من مذابح بحق الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.
ولا شك بأن مكتب هذا المبعوث الذي يشبه الوزارة الخاصة التي تتولى مهام لـ«ردع» أحرار وشعوب العالم عن التعبير عن آرائهم المنددة بالكيان الإسرائيلي ومذابحه الصارخة التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني أصبح وزارة حرب من نوع واسع تديره الولايات المتحدة نيابة عن حكومة الكيان ودورها في حماية المصالح الأميركية، لكن التاريخ لم يستطع أحد إيقاف عجلاته التي أطاحت بالكيانات الاستيطانية الأوروبية الاستعمارية في إفريقيا والتي ستطيح حتماً بالكيان الاستيطاني الأوروبي الصهيوني الذي اغتصب فلسطين وما زال يحتل الجولان العربي السوري.