قضايا وآراء

مشاريع التهجير القسرية بضوء أخضر أميركي

| محمد نادر العمري

لا يبدو أن مجلس الحرب الإسرائيلي مهتم لأي من الضغوط الإقليمية والدولية لوقف آلية القتل الجماعية والتطهير العرقي الذي يمارسه ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بشكل محدد، إذ وبعد مرور أكثر من شهرين على إعلان حالة الحرب على قطاع غزة من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، وتحديد أهداف ثلاثة تتمثل بالقضاء على الفصائل الفلسطينية المقاومة واستعادة الأسرى ومنع إدخال المساعدات للقطاع، إلا أن هذه الحكومة ومجلس الحرب وكل مؤسسات هذا الكيان تتوجه نحو تنفيذ الهدف الضمني الأبرز والمتمثل بتهجير ممنهج لأهالي القطاع.

حيث شكل إصرار الكيان الإسرائيلي للعودة نحو تصعيد عدوانه على قطاع غزة قبيل انتهاء زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بساعات قليلة، وقبيل انتهاء مدة الهدنة التي صوتت عليها حكومة نتنياهو رغم ممانعة البعض من أفراد جوقته من اليمين المتطرف، دليلاً ملموساً ومؤكداً لتسريع مشروع وتيرة التهجير الذي يطمح قادة هذا الكيان من العسكريين والسياسيين لتنفيذه وتطبيقه كأمر واقع تفرضه الآلة العسكرية بعد إخفاق الجهود الدبلوماسية التي قادها بلينكن خلال زيارته الأولى لتل أبيب والمنطقة بعد عملية طوفان الأقصى.

لذلك فإن وقف الهدنة من الكيان الإسرائيلي كانت دوافعها الواضحة تدور ضمن إحدى الحالات التالية أو أجمعها:

أولاً- رغبة نتنياهو باسترضاء شركائه من الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف، ولاسيما بعد تهديد كل من وزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلائيل سموتريتش بالانسحاب من الحكومة في حال عدم العودة للعمل العسكري ضد قطاع غزة.

ثانياً- قد يكون عودة هذا التصعيد العدواني للكيان الإسرائيلي تجاه قطاع غزة، هو مجرد ورقة ضغط لتحسين الواقع التفاوضي للمفاوضين الإسرائيلي والأميركي بهدف فرض الرؤية الإسرائيلية، بمعنى آخر التفاوض تحت النار لتحقيق أهداف الكيان عبر مسار سياسي عجز عن تحقيقها عسكرياً.

ثالثاً- تغيير انتباه الرأي العام الداخلي الإسرائيلي عن عودة القضاء الإسرائيلي لمحاكمة رئيس الحكومة في القضايا الأربع المتهم بها حول الفساد خلال الأيام القادمة.

إلا أن الهدف الضمني من وراء عودة التصعيد هو التهجير من خلال استكمال مسار التصفية العرقية البشرية والبنية التحتية، وتغييب أي شكل من أشكال مقومات الحياة في غزة، ولخدمة هذا الغرض حرص المفاوض الإسرائيلي في أروقة المباحثات التي كانت تحصل في الدوحة القطرية على:

١- إغراق الوفود الأخرى بالتفاصيل لكسب الوقت وإضاعة الموضوع الأساسي.

٢- استثمار واقع التصعيد الميداني لتحسين موقعه انطلاقاً من المقاربة التي تعتمد على «التفاوض تحت النار».

٣- السعي لفرض شروطه كأساس للحل ورفض الاستماع لشروط الأطراف الأخرى أو الاعتراف بها.

٤- اتهام الأطراف الأخرى بأنها سبب عرقلة التفاوض ومن ثم إعلان انسحابه من التفاوض.

5- لم يمتلك فريق التفاوض الإسرائيلي الذي حضر في قطر سلطة اتخاذ القرار، حيث اتسم قراره بالمركزية وارتبط بنتنياهو في تل أبيب وكان ينفذ توجيهاته.

ومن تابع تطور الأحداث منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي، يتيقن أن مشروع التهجير كان محضّراً من كل من الكيان الإسرائيلي والأميركي على حد سواء، وإن كانت التصريحات ولاسيما الأميركية منها هي مغايرة لهذا التوجه، ومما يؤكد هذه الحقيقة مجموعة مشاريع قدمت على النحو الآتي:

أولاً- الطرح الذي حمله وزير الخارجية الأميركي لكل من مصر والأردن وقطر والسعودية في زيارته الأولى من شهر تشرين الأول، إذ وفق التسريبات الإعلامية التي كشفتها وسائل الإعلام الأميركية ولاسيما «وول ستريت جورنال»، فإن بلينكن طلب من مصر القبول بنقل أهالي قطاع غزة إلى سيناء لإنهاء النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، إلا أن الرفض لم يكن مصرياً فقط، بل كان أردنياً لكون تهجير أهالي قطاع غزة هو تمهيد لترحيل أهالي الضفة الغربية لما يسموه الإسرائيليون إلى الدولة البديلة في الأردن، ورفض سعودي لكون الموافقة على هذا المشروع من شأنه أن يفجر حرباً واسعة على مستوى المنطقة.

ثانياً- الوثيقة الصادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، والتي تم الحديث أنه تم تسريبها وهي مجرد مشورة قدمت لحكومة نتنياهو، هذه الوثيقة التي طالبت بتهجير الغزاويين من خلال ثلاث مراحل هي تطبق اليوم، ولاسيما بعد محاولة تنفيذ المرحلة الأولى من خلال دفع أهالي شمال القطاع للهجرة باتجاه الجنوب بعد استهدافهم بصورة وحشية وتدمير كل مقومات الحياة، ومن ثم استهداف التجمعات الكبرى في الجنوب مثل خان يونس ورفح وغيرهما، قبيل التوجه نحو المرحلة الثالثة المتضمنة تضييق الخيارات أمام أهالي غزة ودفعهم بفرض الأمر الواقع للانتقال باتجاه سيناء المصرية.

ثالثاً- تبني مشروع ترحيل عام 1982 بالتزامن مع بدء العودة للحديث عن ضرورة إقامة حل الدولتين، إذ سعى المفاوض الإسرائيلي والأميركي في مباحثات الدوحة، لإقناع الأطراف العربية للضغط على الفصائل المقاومة للخروج من غزة وترحيلهم كما حصل عام 1982 عندما تم ترحيل قيادات وعناصر منظمة التحرير من بيروت إلى تونس بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، حيث دارت في الدوحة مباحثات عن تشكيل دولة فلسطينية ولكن بشرطين أساسيين: الأول أن هذه الدولة لا يمكن أن تشكل إلا بعد القضاء على الفصائل المقاومة في غزة، والثاني يتمثل في شرط نزع السلاح، وهو ما يؤكد أن طرح قيام الدولتين بعد أكثر من ثلاثة عقود من تعطيل ورفض إسرائيلي لم يكن سوى مناورة إسرائيلية أميركية لإغراء الفلسطينيين والعرب وجرهم نحو صراع مع الفصائل المقاومة، وإلا فكيف يفهم إقامة دولة فلسطينية مترامية الأطراف بين الضفة والقطاع، وكيف لأي دولة أن تنشأ دون قوة تحميها؟

رابعاً- مشروع التهجير نحو دول العالم، إذ لم يكن من قبيل المصادفة أن ينشر وزير مالية الكيان سموتريتش على صفحة «إكس» الخاصة دعوة للمجتمع الدولي لاستقبال الفلسطينيين، في ذات اليوم الذي نشر فيه عضوان من الكنيست يمثلان «الليكود» اليميني و«هناك مستقبل» اليساري، مقالاً في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، يطالبان من خلالها المجتمع الدولي لتقديم «حزم نقدية» لإغراء الفلسطينيين للهجرة، إذ شكل هذان المؤشران دليلاً مؤكداً على تداول هذه الفكرة داخل الحكومة الإسرائيلية ومع بعض الدول والمنظمات الدولية كمشروع بديل عن تهجير الفلسطينيين لسيناء المصرية.

خامساً- مشروع التهجير لأربع دول، حيث كشفت صحيفة «يسرائيل هيوم» الإسرائيلية الستار مؤخراً عن مشروع تم تبنيه من أعضاء بارزين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأميركي في مقدمتهم عضو مجلس النواب جوي ويلسون، حيث تضمن المشروع ربط المساعدات الاقتصادية الأميركية واستمرارها لأربع دول هي مصر وتركيا واليمن والعراق مقابل قبول هذه الدول باستقبال المهجرين الفلسطينيين من قطاع غزة، وهناك ضغوط عديدة تمارسها الإدارة الأميركية لدفع هذه الدول باستقبال المهجرين لديها، ملوّحة بقطع المساعدات الاقتصادية التي تقدمها واشنطن في حال رفض هذا المشروع وفق ما سربته الصحيفة الإسرائيلية.

هذه المشاريع وربما غيرها تؤكد على حقيقة وهدف أساسي تسعى حكومة نتنياهو لتنفيذه مهما كانت التكلفة حتى لو أدى ذلك لمقتل كل الأسرى الصهاينة لدى المقاومة، وهناك العديد من المؤشرات التي تثبت مدى موافقة الجانب الأميركي على مشروع التهجير الفلسطيني رغم التصريحات الرنانة لمسؤولي هذه الإدارة عن رفضها «للتهجير القسري»، ولعل أبرز هذه المؤشرات تولي بلينكن زمام مسار الدعم في تكرار للدور الذي لعبه سابقاً وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر أثناء حرب تشرين التحريرية، واستمرار واشنطن بإغداق السلاح النوعي بما في ذلك القنابل، لاستمرار عدوانها على قطاع غزة، وغيرها الكثير من هذه المؤشرات التي تدل على أن مشروع التهجير القسري بحق الفلسطينيين هو مستمر من حكومة نتنياهو بمباركة وضوء أخضر من بلاد العم سام.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن