كما في كل مهنة أو حرفة هناك متمرِّسٌ بارع، وهناك مبتدئ لكِعٌ ؛ كذلك في الصحافة هناك صحفيون مهرة ذوو أسلوب شيق بديع، وهناك صحفيون تتناثرُ في أخبارهم التي يروونها الكلماتُ متخبطةً هنا وهناك من دون رابط أنيق يمتِّعُ النفس أو يجلبُ النظر.
الخبرُ نفسُهُ ؛ والمعلوماتُ هي هي، نقرؤُهُ قراءةً ممتعةً شغوفة مشوقة عندما يرويه صحفيٌّ متمرس خبير، ونقرؤهُ نفسه قراءة مشوشة باهتة عندما يرويه صحفي متعدٍّ على المهنة بعيد عنها قادته (الظروف) إليها، من دون موهبة أو دراية، ذلك أن مهنةَ الصحافةِ مهنةٌ شاقةٌ وصعبة، إذ ليس كلُّ من قرأ أمراً أو سمع خبراً أو شاهد مشهداً بقادر على أن يصوغه الصياغة الصحفية المناسبة…
هناك صحفيٌّ عشق المهنة، وراقت له أساليب الأدباء، فأخذ يمزج بين هواه وبين ما راق لهم، فغدا يصوغ الأخبار بصيغة أدبية أو قريبة إلى الأدبية تأخذ بعين القارئ وقلبه، وتوصله إلى جوهر الخبر أو الموضوع بأيسر السبل وأبهى العبارات، فنقرأ كتابته مستمتعين.
وهناك صحفي دخيل أقحم نفسه في مجال الصحافة، وزجَّ بقلمه بين أقلام الصحفيين من دون دراية كافية ولا خبرة وافية، فنقرأ كلماته مرغمين حتى نصل إلى لبِّ الخبر.
إلا أنه ليس كل من كتب بكاتب، وليس كل من روى خبراً بصحفي…
على أنه ليس مطلوباً من الصحفي أن ينسج المقالات والأخبار بأسلوب بديع أخَّاذ ؛ يجعل القارئ ينتشي بطعم الأدب الرائع الخالد، ولكن مطلوبٌ أن تكون الكلمات متناسقة والعبارت متساوقة والجمل مترابطة.
لعمري إن الكتابة الصحفية حرفة وصناعة، تتطلب عُدَّةً متكاملة، وتحتاج معرفة ودراية، وهي لا تتأتى إلا لمن امتلك الموهبة أولاً، وعرف كيف تُساس هذه الموهبة، وتُسخَّر لخدمة العمل الذي يعمل من أجله ثانياً.
توفي أحد الأدباء الكبار، وكان ينشر مقالاته في إحدى الصحف، فانبرى الصحفيون ينعونه ويرثونه، كتب أحدهم:
توفي الكاتب الروائي القصصي (فلان)، وقد كان أديباً بارعاً متميزاً ذا أخلاق عالية وقلم بليغ.
وكتب صحفي آخر: عزيزٌ على صحيفتنا (…) أن تنعى إليكم نبأَ وفاة الأديب (…)، بدلاً من أن تزفَّ إليكم كعادتها آيةً من وحي قلمه أو درةً من غوصِ فكره، وعزيز على هذا القلم أن يتقطَّر سواده حزناً وكمداً على أديب بليغ حاذق، كان نبراساً للأدب العالي والأخلاق الفاضلة.