ثقافة وفن

أكثر أهل الأرض!

| إسماعيل مروة

العرب أكثر أهل الأرض معرفة كما يوحي إليك سلوكهم، فهم يعرفون كل شيء، الظاهر والباطن، العلم والروح، الماضي وخلق الأرض، والقادم وجنان الله وجهنم! ويقيسون وحدهم الجنة والنار، ويحددون الطول والعرض والأذرع والمسيرة، وربما وصل ببعضهم الأمر إلى تحديد ملكية كل من بقاع الجنة والنار!

أكثر أهل الأرض معرفة هم العرب، وأكثر أهل الأرض قرضاً للشعر والحكمة، ولكن ترى الواحد منهم يمطرك بشعر الحكمة، وفي الوقت نفسه لا يعمل به، وربما ناقضه في اللحظة نفسها، وكم من مرة يقرأ عليك واحدهم «أعز مكان في الدنى سرج سابح/وخير جليس في الزمان كتاب) ويحدثك عن الخلاف بين روايتي في الزمان أو في الأنام، وما إن ينتهي من الحديث حتى يخبرك بأنه لا فائدة من القراءة.

أكثر أهل الأرض استخداماً وصناعة وتداولاً للأمثال والحكم من الزمخشري إلى الميداني إلى العبدري، وإلى يومنا هذا، ويصل الأمر بهم إلى تقديس المثل وقائله، ويكاد بعضهم يقدس قائلي الأمثال، وهو لا يدري مصدرها، ولا يعمل بها، يعلقها في بيته أو مكتبه، ولا ينظر إليها ولا يعمل وفقها، ولو وقع فإنه سيقول لك: الواحد ما يتعلم غير من نفسه، وهو بكامل قناعته بما دفعه من ثمن لعدم التفاته إلى حكمة علقها وراءه! يحدثك عن الصمت، وهو لا يتوقف عن الثرثرة فيما يعنيه وما لا يعنيه، وقد يسيء إلى أحبابه وإلى نفسه ولا يملك إلا أن يقول بعد أن يسبب المصائب: الله يلعن اللسان..!

والعرب أكثر أهل الأرض تركيزاً على ضرورة التثبت من أي حديث، وقرآننا العظيم يقول: «إن جاءكم فاسق بنبأ» وهم الوحيدون في العالم الذين يقتلون بالتهمة، ويرمون المحصنات بالشبهة، ويسيئون للناس جراء الإنصات لواشٍ! والعرب حتى في نخبهم السياسية والعلمية لا يتثبتون أبداً، ولا يراجعون وشاية، ويبنون أحكامهم على الوشاية فيهدرون دماً، ويقربون تافهاً، ويغتالون طاقات! ولا أظن موروثاً ركز على ضرورة التثبت مثل موروثنا، وربما كان السبب في ذلك أن المولى في حكمته وعلمه يريد تجنيب الأمة من بلائها، لكن الآية تحولت للقراءة لا للعمل، ولا يستثنى من ذلك واحد، بما في ذلك رجال الدين العلماء الذين يعتمدون على السماع والوشاية وينسون العمل بما نزل في القرآن الكريم.

والعرب أكثر أهل الأرض ابتلاء في التاريخ الطويل، ولو عدنا إلى تاريخ الطبري أو الكامل في التاريخ، أو البداية والنهاية فإننا سنتعرف إلى أن هذه الأمة في تاريخها الطويل كانت نهباً للقوى المجاورة والإمبراطوريات حتى جاء الإسلام فأخرجهم من التبعية، وعلى مدى التاريخ لا يبحث العرب عن كينونتهم، بل يقسمون أنفسهم بولائهم للأقوياء الذين يجاورونهم، ويتركون قيادهم لهم! يحاربون تحت رايات غيرهم، وينتصرون للآخرين في الوقت الذي بإمكانهم أن يقاتلوا لأنفسهم، وأن يبنوا ذواتهم.. فانتقلوا عبر تاريخهم من تحت هيمنة إلى أخرى، ومن فرس وروم إلى أتراك وغرب، ومع أنه مضى أكثر من قرن ما زالوا لم يحسموا أمرهم في ولائهم للغرب أو الأتراك!

وانخرطوا في التبعية لمحور شرقي وغربي من دون أن ينسوا الصراع فيما إذا كان الولاء للترك جائزاً أم لا! وفيما إذا كان التعامل مع الغرب حينها خيانة أم لا! وما حصل مع العرب في المعسكرين والحلفين الغربي والشرقي كان كارثياً وعدائياً، ففي حين يتعاون الحلفان الغربي والشرقي، كان العرب منقسمين بين رأسمالي وشيوعي ملحد، وكلاهما لم يكن له في العير ولا في النفير.. وتأذت بلداننا العربية وتنميتها بهذه العداءات التي تم تكريسها حتى انتهى عصر الاتحاد السوفييتي.. وحين انتهى كان اليسار عندنا أكثر عداء من السوفييت لما حصل، وبقي العرب يقسمون أنفسهم إلى معسكرين.

والعرب أكثر أهل الأرض حديثاً عن العولمة، وترجمة لكتبها من تسعينيات القرن العشرين، وفصلوا فيها وفي أهدافها وأخطارها أكثر من أي أمة، وهم الأمة التي وقعت نهباً للعولمة من كل جانب، ولو كانوا غير عارفين وليسوا على دراية لهان الأمر، لكن بعد كل الحديث هم كانوا الضحية والوجبة الشهية للدول التي جاءت بالعولمة نظاماً جديداً وهم من دفع الأثمان من أوطانهم وثرواتهم ومؤسساتهم وعقائدهم.

واليوم عندما أراد المتحاربون أن يتحاربوا من أجل جديد كان العرب الضحية في هذه الصراعات، وكانوا الوليمة الجاهزة من تلقاء نفسها لكل من أراد، وليس الخصم بحاجة لأي عمل من أجل الإجهاز على الفريسة، وهم ما زالوا يتصارعون بين قطب وقطب، ويتنازعون فيما إذا كان في الجو مؤامرة خارجية أم لا..

ولو تصفحنا مواقعنا وما يتم تناقله، فإننا سنجد أن المواقع العربية هي التي تنقل ما يخطط للعرب في الخفاء ومنذ عقود هم يعرفون! ومع ذلك يتقدمون إلى حتوفهم بأنفسهم..!

ترى لو لم يكن العرب أهل الأرض الأكثر دراية فماذا سيكون حالهم؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن