قبل حوالي عقدين كتبت بالإنجليزية المقاطع الحوارية المعاصرة لمسلسل «البحث عن صلاح الدين» تأليف محمود عبد الكريم وإخراج نجدة إسماعيل أنزور وأديت دوري في المسلسل ككاتب عربي يدردش عبر الانترنت مع مؤرخ أمريكي حول مختلف قضايا العصر وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وقد أعدت صياغة تلك المشاهد وقام المخرج أنزور بتحويلها إلى فيلم وثائقي قصير بعنوان «رؤية لصلاح الدين».
خلال البحث التاريخي والفكري المعمق الذي أجريته آنذاك، اكتشفت أن سيف «معاداة السامية» الذي تشهره الصهيونية العالمية في وجه كل من يجرؤ على تعرية الأساطير أو فضح الأكاذيب التي بنت عليها مشروعها الاستعماري العنصري في فلسطين، هو مجرد وهم تمت فبركته واستثماره بذكاء شيطاني لا ضدَّ شعبنا وحده، بل ضد شعوب العالم برمته.
لقد بذل علماء الآثار الصهاينة والمتصهينين جهوداً فظيعة في التنقيب داخل فلسطين على أمل العثور على أي دليل يؤكد مزاعمهم وماضيهم الأسطوري، لكن نتائج التنقيبات كانت دائماً مخيبة لآمالهم، وقد اعترف بهذا أبرز أساتذة جامعاتهم بما في ذلك بعض المتشددين منهم. ثم جاءت الدراسات التاريخية الكتابية التي تدرس التاريخ، لا كما ورد في التوراة والإنجيل، بل كما تثبته لقى التنقيبات الأثرية التي يتم تحديد أعمارها بدقة عبر تقنية اضمحلال إشعاع الكربون بعمق تاريخي يصل لاثنين وستين ألف سنة. ومن أبرز هؤلاء المؤرخين العلميين الأمريكي توماس طومسون، مؤلف كتاب «التاريخ القديم لأقوام إسرائيل»، الذي اضطهد في أمريكا، فهرب إلى أستراليا، والمؤرخ الإنجليزي كيث وايتلام صاحب كتاب: «اختلاق إسرائيل القديمة، إسكات التاريخ الفلسطيني». يجزم هذان المؤرخان كلاهما بأن التنقيبات الأثرية والوثائق التاريخية، تثبت، كما يقول وايتلام، أن: «إسرائيل هي مجرد كينونة قصيرة في سياق التاريخ الفلسطيني الطويل».
من الثابت والمعروف أن المؤرخ الألماني أوغست فون شلوتْسَر (1735-1809) هو أول من استعمل مصطلح السامية لأول مرة في التاريخ الحديث ضمن بحثه عن اللغات السامية التي كانت منتشرة في بلاد الشام وما بين النهرين والجزيرة العربية وشمالي إفريقيا، معتبراً تلك اللغات «من أقدم لغات العالم»، ومن يقرأ مؤلفات المؤرخ أوغست فون شلوتْسَر يكتشف دون أي مجال للشك أنه استخدم المصطلح للحديث عن اللغات، لا لتصنيف الشعوب عرقياً، لذا قلت في الحوار الافتراضي الذي أجريته مع المؤرخ الأمريكي في «رؤية لصلاح الدين»: « لقد قام الصهاينة بسرقة تعبير «السامية» اللغوي، فتعبير «ساميّ» لا يعبر عن مجموعة عرقية كما هو شائع على وجه الخطأ، بل يعبر عن مجموعة لغوية تتكون من الآرامية والأمهرية والعربية والعبرية. وهذا يعني أنه كمصطلح لا يخص اليهود وحدهم. أما إذا غضضنا النظر عن ضعف هذا المصطلح، فسنجد أننا نحن العرب لا يمكن اتهامنا بمعاداة السامية لأننا ننتمي إلى نفس المجموعة العرقية التي ينتمي إليها اليهود.
يحتاج الكيان السرطان إلى استخدام أساطير الماضي كقناع للتغطية على حقيقة كونه خندقاً متقدماً للقوى الاستعمارية العالمية.
وخير ما أختتم به هو قول المناضل الكبير محرر جنوب أفريقيا نلسون مانديلا: «إن الفلسطينيين لا يناضلون من أجل «دولة»، بل من أجل الحرية كما كنا نحن نناضل من أجل الحرية في جنوب أفريقيا».