تجاه ما يتصل بمصالح الكيان الصهيوني العنصري ونظام كييف النازي المُصًنًّع أميركياً، والمصالح الأميركية التي تقوم على حساب مصالح الشعوب المشروعة وقضاياها المصيرية، تختزن الولايات المتحدة الأميركية في عقول حكامها، كماً كبيراً من المعايير المتباينة والمتناقضة والملتبسة، تطلق الإدارة الأميركية عبرها مواقف داعمة ومنحازة للحرب الصهيونية الهمجية التدميرية الإبادية ضد الشعب الفلسطيني الذي يمارس حقه المشروع في مقاومة الاحتلال في كل من غزة والضفة الغربية الفلسطينيتين، والأمر ذاته تجاه نظام الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والمسألة الأوكرانية عبر تلك المعايير اللامنطقية المتعددة المختلقة والمفصلة أصلاً على قياس المصالح الأميركية حسب كل حالة وكل قضية راهنة في أرجاء الساحة الدولية.
العقلية الأميركية المركبة تلك، تتبدى جوانبها في مواقف الإدارة المتحولة في واشنطن بين حالة وأخرى من المحكمة الجنائية الدولية بين الرضى والمساءلة والتهديد، حيث تلح واشنطن الآن على تلك المحكمة مطالبة إياها بإدانة العملية العسكرية الروسية الخاصة في إقليم الدونباس، ومن ثم تحذرها من مغبة ذهابها باتجاه إدانة الكيان الصهيوني على الجرائم والمجازر التي ارتكبها ولا يزال بحق المدنيين الفلسطينيين ولاسيما الأطفال الذين تعتبرهم تل أبيب أعداء المستقبل، وواشنطن التي تعرف حق المعرفة أن «الجنائية الدولية» لا تملك أي صلاحية لتفعيل قراراتها ووضعها قيد التنفيذ، تمضي في تهديدها وتحذيرها من اتخاذ أي قرار يدين الكيان الصهيوني «حتى ولو من باب رفع العتب».
فضلاً عن ذلك، فثمة حقيقة مفادها أن الإدارة الأميركية كانت وستبقى وراء رفض تل أبيب تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدين نهجها العدواني الاستيطاني، وها هي الآن ومعها الكيان الصهيوني يبديان امتعاضهما واستياءهما الشديدين من دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجلس الأمن الدولي لتفعيل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 99 الصادر عام 1945 والذي يمنح أمين عام المنظمة الدولية حق تنبيه مجلس الأمن الدولي إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين، في دعوة واضحة للضغط على تل أبيب لوقف حربها الموغلة بالهمجية والتوحش على غزة.
في السياق لابد من الإضاءة على التعاطي الأميركي المجافي لواقع الأمور والمنطق والتوصيف السليم، والمتأرجح في مواقف الإدارة الأميركية المتباينة من المحكمة الجنائية الدولية في الحالتين الأوكرانية والفلسطينية، ذاك التعاطي الذي ينطلق من رؤية واشنطن أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في إقليم الدونباس وعملية «طوفان الأقصى» تقعان في «خانة واحدة» على الرغم من الفوارق النوعية الكبيرة بينهما، وأن نظام كييف النازي والكيان الصهيوني العنصري يقعان في خانة أخرى، ما يؤكد مجدداً أن الولايات المتحدة الأميركية شريكة فعلية في مجازر تل أبيب وإبادة آلاف الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، وتدمير المباني والمشافي والمؤسسات الإنتاجية والإغاثية والمدارس ودور العبادة في غزة والعمل على تهجير المقاومة الغزية إلى سيناء وجعل غزة ممراً برياً إلى داخل فلسطين المحتلة، وشريكة أيضاً في ممارسات نظام كييف النازية والعنصرية تجاه المواطنين الروس في إقليم الدونباس وتنفيذ مجازر مشهودة بحقهم تمهيداً لعملية الأطلسي الفاشلة لأوكرانيا.
ولعل المجتمع الدولي لم ينس بعد جرائم الحرب الكبرى غير المبررة على الإطلاق والتي سبق أن ارتكبتها الولايات المتحدة الأميركية في العديد من بلدان العالم ولاسيما في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين وفيتنام ولاوس وكوريا الجنوبية والفليبين والعراق واليمن والباكستان وأفغانستان والصومال وألمانيا وإيطاليا ويوغوسلافيا، تلك الجرائم التي أودت بملايين المدنيين وأسرى الحروب في تلك البلدان، فضلاً عن التدخل العسكري الأميركي في الكثير من بلدان العالم وخاصة في إيران للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق الذي كان يقاتل لاسترداد حقوق شعبه، في البترول والنفط بعدما أمم حق استخراجه وبيعه وإزاحته في انقلاب تآمري عام 1953، وتدخلت عسكرياً عام 1969 في بنما ونصبت السفاح مانويل نورييغا رئيساً، وتدخلت في تشيلي ودعمت انقلاباً عسكرياً عام 1973 ضد الرئيس سلفادور الليندي الذي انتخبه الشعب التشيلي في انتخابات ديمقراطية، وقتلته في قصره الرئاسي بعد قصفه، وأجهضت الثورة الشعبية في غواتيمالا عام 1952، وتدخلت عام 1964 في البرازيل لوأد التجربة الديمقراطية البرازيلية، وتشكل هذه النماذج غيضاً من فيض التدخلات الأميركية في بلدان متفرقة من العالم تجاوز عددها خمسة وسبعين تدخلاً عسكرياً للإطاحة بالأنظمة التي تناهض السياسة الامبريالية للولايات المتحدة الأميركية، خلال الفترة ما بين ثلاثينيات وأربعينيات القرن الفائت حتى الآن، علَّ التذكير ينفع من نسوا، ويردع من تناسوا ما ارتكبته الولايات المتحدة الأميركية من جرائم يندى لها جبين الإنسانية.