قضايا وآراء

للمرة الرابعة محور المقاومة يُسقط مشروع الشرق الأوسط الأميركي الكبير

| تحسين حلبي

يبدو أن ما ذكره توم اينغيلهاردت وأندرو باسيفيتش، وهما من أنشط الكتاب الأميركيين المعارضين للحروب الأميركية، في تحليل مشترك حول الحرب على غزة في 8 تشرين الثاني الجاري تحت عنوان «الحرب الأميركية لتحقيق شرق أوسط كبير لا تزال مستمرة»، هو التشخيص الحقيقي لأهداف العدوان الإسرائيلي- الأميركي المباشر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويشهد تاريخ عدد من الحروب في المنطقة على هذه الحقيقة منذ العدوان الفرنسي البريطاني الإسرائيلي عام 1956 على مصر واحتلال غزة وهزيمته، ثم عودة العدوان الأميركي – الإسرائيلي في حزيران عام 1967 على مصر وسورية والأردن واحتلال إسرائيل لبقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراض مصرية وأخرى سورية في الجولان لتحقيق التوسع الإسرائيلي الجغرافي، ففي كلتا الحربين كان الهدف هو إنشاء إسرائيل الكبرى كقاعدة لشرق أوسط كبير تحت هيمنة الولايات المتحدة، لكن هذا المشروع تصدت له من دون توقف سورية ومصر والمقاومة الفلسطينية واللبنانية منذ عام 1967 حتى وقتنا هذا، وبعد خروج مصر من دائرته عام 1979، بقي على جدول عمل تل أبيب وواشنطن طوال أكثر من خمسين عاماً دون أن يتحقق له النجاح، وهذا ما توصل إليه باسيفيتش واينغيلهاردت حين يؤكدان أن «الحرب الإسرائيلية على القطاع واستمرار إراقة الدماء الفلسطينية تريدها أميركا كفصل نهائي للصراع الوجودي الذي يعود تاريخه إلى تأسيس دولة لليهود عام 1948 في فلسطين، وهذا ما يدل عليه تزايد الهجوم التدميري الإسرائيلي للقطاع وتصعيد أشكال القتال ضد الفلسطينيين فيه بصورة غير مسبوقة، تأكيداً لمنع وجود حل لهذا الصراع العربي– الإسرائيلي».

ويعترف الكاتبان في تحليلهما أن الرئيس الأميركي جو بايدين «صادق علناً على كل ما تقوم به إسرائيل منذ السابع من شهر تشرين الأول الماضي ضد الفلسطينيين في القطاع وتصفية كل فصائلهم المسلحة، وصنع ضدهم ما يشبه الحرب العالمية الثانية بحملات مكثفة للغارات الجوية وتمهيد الظروف لتحقيق إسرائيل كبرى، أما عملية السلام فيبدو أنها أبعد ما يمكن تصوره».

ويثبت تاريخ الحروب الأميركية في المنطقة أن من أهم أهدافها هو صناعة إسرائيل كبرى لتحقيق شرق أوسط أميركي كبير ودائم، فقد شاركت أميركا في الحرب الإسرائيلية عام 1982 في لبنان ضد سورية والمقاومة ولبنان نفسه لتحقيق هذا الهدف، ثم جاءت حربها في أفغانستان عام 2001 وفي العراق عام 2003 من أجل الغرض ذاته وهزمت في كلتا الدولتين وسحبت قواتها، وكانت قد استخدمت إسرائيل في تموز عام 2006 ضد لبنان والمقاومة لتحقيق هذا الهدف الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس بصراحة على الجميع خلال زيارتها للأراضي المحتلة أثناء استمرار الحرب الوحشية على جنوب لبنان إلى أن هزمته المقاومة اللبنانية مدعومة من أطراف محور المقاومة في دمشق وطهران والفصائل الفلسطينية.

بعد كل هذه الهزائم وإحباط مخطط «إسرائيل الكبرى» والشرق الأوسط الكبير، كشفت الولايات المتحدة بشكل علني أمام الجميع عن مشاركتها الحربية المباشرة في الحرب الإسرائيلية الوحشية غير المسبوقة على قطاع غزة بعد السابع من تشرين الأول الماضي وظهرت المشاركة الأميركية بإرسال حاملتي طائرات وتقديم آلاف من جنود المارينز الأميركيين لمصلحة الجيش الإسرائيلي واستخدامه لهم بعد هزيمته المباشرة في عملية «طوفان الأقصى» ضد مليونين ونصف مليون من الفلسطينيين وقطاعهم المحاصر منذ 16 عاماً متواصلة، ولا حظ الجميع أيضاً أن كل هذه القوات الأميركية وتدفق الذخائر والمعدات الأميركية طوال ستين يوماً من هذه الحرب جاءت كمشاركة مباشرة في الحرب، بل أيضاً كتحذير لردع أي قوة مجاورة تدعم فصائل المقاومة في قطاع غزة بشكل مباشر، لكن صمود المقاومة في القطاع والمشاركة المباشرة للمقاومة اللبنانية في المعارك ضد الجيش الإسرائيلي من جبهة جنوب لبنان والمتواصلة طوال الستين يوماً، شكلا في حقيقة الأمر ردعاً لأميركا من ناحية، وإسناداً للمعركة مع المقاومة الفلسطينية في القطاع، وسجل هذا الصمود والدعم العلني له من دمشق وطهران، قوة ردع أخرى جعلت الولايات المتحدة تعيد التفكير في توسيع الحرب وفي تأجيل هدفها الرامي لتشكيل شرق أوسط كبير لفرصة أخرى، فوجود كل هذه القدرات العسكرية الأميركية إلى جانب الإسرائيلية لا يمكن أن تكون معدة لحرب ضد قطاع صغير المساحة ومقاومة محصورة داخله بل هي معدة لحرب على مقاومة أوسع وأكبر بكثير تقوم بها كل أطراف محور المقاومة، ولا شك أن استعداد هذه الأطراف لمجابهة حرب أميركية، هو الذي بدأ يدفع بايدين إلى البحث عن حلول لإيقاف النار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن