ثقافة وفن

العود أنيس الجلسات في المجتمع الدمشقي

| ليدي دوميط

بين الأزقة القديمة نشاهد محلاً صغيراً تملؤه الأخشاب والأوتار وتنبعث منه روائحً خشبية تارة ودندنات وألحان تارة أخرى.

تعود الدلائل التاريخية لآلة العود إلى آلاف السنين، فيتحدث خبراؤها أن الحروف الأولى من اسم كل مقام من المقامات الشرقية (الرست، النهاوند، الحجاز، البيات، سيكا، الصبا، العجم، الكرد) لو جمعناها بكلمة ستكون «صنع بسحر»، فالعود الشرقي صنع بيد شيخ الكار التي طاوعها الخشب فشدت أوتاره أروع الألحان.

الطويل «شيخ الكار»

وبتصريح خاص للوطن كشف «أنطون» أن العود الدمشقي آلة قديمة، وأن عائلة النحات هي أول من صنع الأعواد في دمشق ويحدد «الطويل» تاريخ صنع أول عود دمشقي أنه يعود إلى عام 1879 على يد «عبدو النحات» في حي القيمرية، حيث كانت ومازالت أعواد النحات من أهم وأشهر الأعواد في سورية.

توارث الأجيال

وأشار إلى أن المهنة تناقلت ببطء من شخص لآخر، لافتاً إلى أنه من الستينيات الماضية حتى يومنا هذا توسعت صناعة العود وتطورت حتى نتج عنها أنواع مختلفة وبينّ أن هناك ايقاعات متعددة للعود الشرقي وأن لكل منطقة فلكلوراً وطابعاً خاصاً بها فالإيقاع العراقي يختلف عن الإيقاع السوري وعن الإيقاع الخليجي.

رحلة العود

وبحسب ما ذكر «الطويل» فإنه قد تفرع عن آلة العود أنواع اختلفت تسميتها من بلد لآخر على سبيل المثال:

في الصين يدعى (البيبا) وفي اليابان يدعى (البيوا) وفي روسيا (البلالايكا) وفي إيران (البربط) وفي أوروبا (لوت) لكن من المهم ذكره أنه لا يحمل هوية العود الشرقي.

وكما جاء في قوله إن ما يميز العود السوري حصراً هو الشكل الذي بنّي عليه ويعرف باسم «العود الستاتي» جاءت تسميته هكذا لأن المرآة قديماً هي التي كانت تعزف على العود فيأتي حجمه أصغر من العود المتعارف عليه وقد لاحظنا ذلك في بعض أعمال الدراما الشامية، فالعود ملازم لحفلات النساء مثل (حفلات الاستقبال، التجمعات النسائية، الأعراس).

وذكر موضحاً أن كل لحن شرقي لا يتم تلحينه إلا بالعود حصراً، لكن بالفترات الأخيرة قاموا بالتعديل على الإيقاع وبحسب لهجة الخبراء (دوزنة) أصبح يعطي لحناً غربياً وشرقياً معاً يتضمن نحو 200 مقام مثل: صوت، نص صوت، ربع صوت، نص ربع صوت.

مراحل صناعة العود

وقد أشار «أنطون» إلى أن صناعة العود تتضمن 42 مرحلة حتى يظهر في شكله الأخير، ومن أجود وأغلى أنواعه المصنوع بخشب الجوز لكن في بعض الأحيان يتم خلطه أو استبداله بنوع آخر بسبب ارتفاع ثمنه وتكلفته فكلما جف خشبه غلا ثمنه وزادت رخامة ألحانه.

يلفت السيد «الطويل» أنه ورث المهنة عن أبيه «إبراهيم الطويل» وذكر أن التنافس الحقيقي الذي علمني إياه والدي بين الصانع والقطعة التي يصنعها. وبحسب «أنطون الطويل» ففي الماضي كانت الأعواد جرداء دون أي تزيينات إلى أن تطورت الصناعة ودخل الموزاييك عليها ويؤكد أن وجه العود يخفف رنته بسبب ثقل الغراء مع الزينة.

وكشف أنه قديماً كان ثمن العود يدفع ذهباً وقد يصل ثمنه في أفضل أحواله إلى خمس ليرات ذهبية ويؤكد أن مردود المهنة مرتبط بزبائنها والهواة والعازفين فقط وهم قلائل.

حكاية عشق

وذكر «الطويل» أنه من بداية تأسيس محله ومهنته أتخذ التكية السليمانية مقراً له ولأعواده واستمر فيها نحو 22 عاماً بعد أن تابع مسيرة والده التي امتدت خمسة وأربعين عاماً، أما الآن فهو موجود في محله ذي الطابع الخاص به مع مختلف الأشكال والألوان من الأعواد في منطقة باب شرقي، لافتاً إلى أنه حصل على العديد من الجوائز وشهادات التدريب ومن الحرفيين بصناعة العود أهمها جائزة «شيخ الكار» بالعود من وزارة الثقافة ووزارة السياحة واليونسكو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن