ديبورا ليبشتادت من اليهود الأميركيين وإحدى الشخصيات القيادية في المنظمة الصهيونية الأميركية التي عينها الرئيس الأميركي جو بايدين في آذار 2022 «مبعوثاً خاصاً» لرصد ومحاربة معاداة السامية، وأفرد لها مكتباً رئيساً في وزارة الخارجية الأميركية تتولى منه الآن محاربة العالم كله بحجة معاداة السامية لأن الرأي العالمي وخاصة في أوروبا وأميركا ندد بما نفذه الكيان الإسرائيلي من مذابح في قطاع غزة وأكد تعاطفه مع الشعب الفلسطيني.
في مهمتها هذه تستند ليبشتادت إلى نص المهمة التي أسندها بايدين لها ولجيش الموظفين التابع لها المنتشر في دول كثيرة وهي: «تنفيذ السياسة الخارجية الأميركية المتخذة ضد معاداة السامية ومظاهرها المجسدة في التمييز والتحامل وبث الكراهية ضد اليهود، ويتولى المبعوث الخاص لهذه المهام أعداد وتنفيذ السياسات والخطط التي تدعم جهوده في محاربة معاداة السامية»، وكان الكونغرس قد أقر قبل أيام قانوناً يعد فيه معاداة الصهيونية شكلاً من معاداة السامية وأصبح جزءاً من السياسة الخارجية الأميركية، علماً أن مكتب ليبشتادت وضع تعريفاً يحدد فيه أن «كل من ينتقد أو يعادي إسرائيل ويصفها بدولة الاحتلال والتمييز العنصري هو معاد للسامية»، وبالقانون الجديد للمساواة بين معاداة الصهيونية مع معاداة السامية يصبح كل تأييد لحقوق الشعب الفلسطيني وخطابه وسردياته عن النكبة وعن مذابح غزة شكلاً من أشكال معاداة السامية، ويقوم مكتب ليبشتادت بملاحقة كل من يعبر عن هذا الرأي في أرجاء العالم، بل إن ليبشتادت طالبت كل أصحاب منافذ ومراكز وشركات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي حظر التداول بأي سرديات أو رسائل إلكترونية ينطبق عليها معاداة السامية وقررت تعريض كل من ينشر ما تحظره قوانين معاداة السامية للمحاكمة باستخدام العصا الأميركية ووزارة خارجيتها.
وبدأت السلطات الإسرائيلية في داخل الأراضي المحتلة باعتقال عدد ممن تنطبق عليهم هذه «الاتهامات» وقضت بحبسهم وتغريمهم مبالغ مالية، واستنفرت كل فروع المبعوث الأميركي (ليبشتادت) في العالم وخاصة في أميركا وطالبت جامعاتها بطرد أي أكاديمي من عمله إذا خالف هذه المحظورات وقامت بعض الجامعات الشهيرة مثل جامعة بينسلفانيا بإقالة بروفيسورة لأنها سمحت لنفسها بانتقاد إسرائيل وما تفعله في قطاع غزة أمام الطلاب، فإسرائيل تدرك أن ما ارتكبته من مذابح في القطاع سيولد رأياً عاماً منظماً يزعزع شرعيتها ويهدد مستقبل وجودها ويعجل زوالها، وهذا ما وقع لنظام حكم البيض الأوروبيين العنصري الاستيطاني الذي أنشأته بريطانيا في جنوب إفريقيا والذي ارتكب المذابح ضد أصحاب الأرض الأفارقة إلى أن انتهى هذا الكيان الاستيطاني العنصري رسمياً عام 1994.
دولة الأوروبيين المستعمرين البيض في جنوب إفريقيا كانت قد أعلنت عام 1948 وهو العام ذاته الذي أعلن فيه الكيان الإسرائيلي الذي أسسته بريطانيا للأوروبيين البيض اليهود في فلسطين وظل قائماً حتى الآن، وبعد الحملة العالمية للرأي العام في العالم ضد إسرائيل وجهت ليبشتادت في الموقع الإلكتروني الخاص بمكتبها في وزارة الخارجية الأميركية تحذيراً لدول كثيرة تنتقد فيها عدم فرض العقوبات على معاداة السامية والسكوت عن حملات الاحتجاج العلنية ضد إسرائيل في العواصم الأوروبية، وقالت في بيانها إن «التعاطف مع الفلسطينيين هو دعوة لكراهية اليهود والتحامل عليهم أينما كانوا»، وطالبت هذه الدول بتنفيذ إجراءات العقوبة ضد المتظاهرين في أراضيها. وبهذه الوقاحة تطالب ليبشتادت ومن خلفها الداعم الأميركي بمعاقبة العالم كله لأنه عبر عن موقفه تجاه جرائم آخر الكيانات الاستيطانية الاستعمارية الأوروبية في العالم وهو الكيان الإسرائيلي الذي غير اسم البلاد على غرار ما فعلته بريطانيا في زيمبابوي حين أطلقت عليها اسم روديسيا لأن أول من استوطنها كمستعمر كان البريطاني سيسيل روديس وانتصر شعبها واستعاد اسمها التاريخي.
من الواضح الآن أن ما يمكن أن نطلق عليه اسم «وزارة الحرب الإعلامية الأميركية – الإسرائيلية» بدلاً من «المكتب الأميركي لرصد ومحاربة معاداة السامية» سيبدأ بشن حملات إرهاب ضد كل من يقف مع عدالة القضية الفلسطينية في أعقاب ما جرى في قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان من جرائم حرب ارتكبها الكيان الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وهذا يعني أن السياسة الأميركية ستشن حرباً بجميع الأشكال تحت شعار معاداة السامية ضد كل شعوب العالم لمنعها عن التعبير عن رأيها ضد الاحتلال والاستعمار ومذابحه في عصر لا يمكن كم أفواه الأحرار فيه.