من دفتر الوطن

كيف نخطف الفرح؟!

| عصام داري

يغتالنا الوقت كل ثانية، يسرق من حياتنا تلك الثانية ذاتها لتضاف إلى الثواني والدقائق والسنوات المسروقة من حياتنا المهدورة أصلاً على بوابة الزمن، ومذبح الأيام.
نمضي نحو المجهول راضين صاغرين مستسلمين، فليس بأيدينا تغيير الماضي ولا رسم المستقبل، إلا بحدود ضئيلة جداً كأن نختار السير في هذا الدرب، أو دراسة هذا الاختصاص أو شراء أي شيء من متع الحياة الأرضية.
لا أريد تعقيد الفكرة، فأفضل الطرق للوصول إلى الهدف هو الخط المستقيم، والخط المستقيم هنا هو القول إننا محكومون بالظروف والواقع والقضاء والقدر والزمان والمكان، وربما بعوامل أخرى، لكننا نستطيع توسيع الفرجار قليلاً أمام خياراتنا، لنجد بيادر واسعة لا حدود لها تعد بحصاد وفير.
الأحزان والهموم والمشاكل وجدت بحياتنا عنوة، وبالمقابل ألا نستطيع أن نخطف الفرح والحبور والسعادة عنوة أيضاً؟ وهل من العقل والمنطق في شيء أن نرفع الراية البيضاء ونستسلم لوحوش الهموم وعواصف الحزن العاتية؟.
الوجع الذي يهاجمنا في كل مراحل العمر لا يعني استكانتنا له، وأظن أننا قادرون على كسر هذا الوجع، وهزيمة ما تبقى في جوانب النفس من يأس وقنوط، وقادرون على تحطيم الوهم الذي يطاردنا كظلنا، ومن ثم الانضمام إلى ما أطلقت عليه منذ أيام اسم «جيش التفاؤل»، و«ميليشيات» الأمل، وأظن أن النجاح سيكون حليفنا، ورفيق كل عشاق الحياة ومعتنقي مذاهب الشعر والزجل والأدب والموسيقا والغناء، وصناع الحب والمحبة.
أعمارنا تمر أمام أعيننا كشريط سينمائي بالسرعة البطيئة، فنكتشف كم ظلمنا أرواحنا وأسرفنا على أنفسنا، وكم أهدرنا من أعمارنا من سنوات على توافه الأمور في كثير من الأحيان، فإذا بنا نصحو من أحلام وردية سكنت خيالنا لأعوام كثيرة خلت، ونندم على حصادنا المر، ومواسمنا العجاف التي لن نستطيع استدراكها أو تغييرها بزرع مختلف.
نحتاج إلى التنوع كي لا نغرق في الروتين، لكننا نحتاج أكثر للثبات على ركائز أخلاقية وإنسانية، كي لا نتنكر لطبيعتنا ومبادئنا وأفكارنا وخياراتنا، وما بين هذا وذاك نلعب دور الكومبارس ليس أكثر في مسرح الحياة، ونقتنع بهذا الدور، ونبحث عن أدوار جديدة لا تخرج بدورها عن دور الكومبارس أيضاً، فالنجومية تكون حصراً لمن امتلك ناصية الإبداع في العلم والأدب والفن والموسيقا.
في مسيرة حياتنا هجرنا المقاهي العتيقة، تركناها تحت ضغط الحياة بصخبها وصمتها بغضبها ورضاها، وعندما عدنا رأينا العشاق الصغار وقد جلسوا على مقاعد عرفت هوانا الأول، وعشقنا الأول، وحبنا الأول، هكذا هي سنة الحياة، أجيال تسلم الراية لأجيال، مع ابتسامة ود وتسليم بقواعد أزلية لا مجال لتعديلها.
نمر في كل هذه الحياة بتحديات مصيرية، ومن يستسلم يخسر الرهانات، ويكتب عليه أن يظل في الصفوف الخلفية والمقاعد الخلفية، وفي عربة قطار الزمن الأخيرة، ومن يقبل التحدي فسيمضي قدماً في المقدمة، لكن الأهم أن علينا أن ننتصر وأن نهزم معاً تجار الحروب والدمار والخراب وسارقي لقمة الفقراء، ونصنع الحب والفرح المسروق من حياتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن