تتجه كل الصلوات لرب العـالمين لرزق الإنسان بالمأكل (ولم يتم ثمـّة تركيز عـلى الملبس أو المسكن)، فلطالما كان الجوع عـبر التاريخ هو أهم سبب للحروب، والاقتتال عـلى الكلأ والماء أساس كل الأطماع!
في الشقيقـة مصر، رغـيف الخبز يسمى «العـيش»، ولعـل هذا يعـبـّر بصدق وبلا مواربة عـن تقديس حبة القمح، ولا يقل عـن ذلك سلوك أحدنا – طفلاً كان أم عـجوزاً برفع كسرة الخبز الملقاة في الشارع، وتقبيلها – لكونها من أهم نعـم الخالق-.
ولعـل هذا ما دعـا سوداء القلب «كونداليسا رايس» لمقولتها الشهيرة «سورية بلد مكتف غـذائياً، بل يصدّر القمح.. فكيف السبيل لكسر شوكته؟»..!
كنت فيما سلف مستشاراً لوكيل وزارة الزراعـة والثروة السمكية في سلطنة عـُمان، ووردني بريد سري ذات يوم بسؤال من أعـلى مستوى، عـن توصياتي من أجل «أمن غـذائي مستدام»، في عـالم تتلاطم فيه الأمواج، فكتبت بإسهاب وصراحة توصية – تم الأخذ بها- من أجل إقامة أهراءات (سايلوهات) للقمح، استعـداداً لأيام سود (بالرغـم من كون عـُمان بحيادها الدائم بعـيدة عـن التجاذبات الدولية المستعـرة).
الأمن الغذائي حسب معايير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) تعريفاً: يتحقق هذا عند ضمان حصول جميع الناس وفي كل الأوقات على القدرة المادية للحصول على كميات كافية من الغذاء الآمن والمغذي لتحقيق احتياجاتهم كي يتمكنوا من الحياة حياةً سليمةً، ويجب تحقيق هذا الأمر على ثلاثة مستويات في الوقت نفسه» الفردي والأسري والوطني. ويعتبر الأمن الغذائي ذا أولوية بالنسبة للإنسان لشموله كل النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تتكامل فيما بينها للوصول إلى تحقيق الحاجات الأساسية للإنسان في الحاضر والمستقبل، وهو هدف رئيس من أهداف التنمية المستدامة الذي تعهدت دول العالم بتحقيقها استكمالاً للأهداف الألفية.
لعـل الغذاء أحد أهم احتياجات السكان، والذي يتحقق من خلال تناسق السياسات والبرامج بين القطاعات الاقتصادية المختلفة كالزراعة والصناعة والتجارة.
قامت السعـودية (الدولة الصحراوية) بزراعـة مناطق كثيرة بالرغـم من الجفاف، وضمن المنتجات النباتية جاءت التمور في المرتبة الأولى بنسبة اكتفاء ذاتي بلغت 118 بالمئة، وبكمية إنتاج محلي بلغت 1.57 مليون طن عام 2021، بينما بلغت نسبة الاكتفاء الذاتي لمحصول الطماطم 77 بالمئة، والبصل 52 بالمئة. وأظهرت النشرة أن إجمالي كمية الواردات الزراعية للمملكة بلغ 20.04 مليون طن في عام 2021.
حيث شهدت الزراعة هناك تغيراً جذرياً من خلال تحويل المساحات الصحراوية الكبيرة إلى أراض زراعية منتجة باستخدام أحدث التقنيات المتطورة. وفي الوقت الحاضر تركز على الاكتفاء الذاتي وكذلك تصدير القمح والتمور ومنتجات الألبان والبيض والأسماك والدواجن والفواكه والخضراوات والزهور لأنحاء العالم.
وتهدف التوجهات الآن في بلدنا إلى تشجيع استخدام المنتجات الوطنية، وتقليل/إلغـاء الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز جهود الدولة في دعم الصناعة الغـذائية، وتشجيع المستثمرين ورواد الأعمال على الاستثمار في مشروعات الصناعـة الزراعـية والغـذائية، كل هذا يعزز العمل على زيادة الإنتاج المحلي من المواد الغذائية ودعم الأمن الغذائي.
سيكون هذا موضوع الندوة الاقتصادية التي ستعقد في 21 كانون الأول الجاري تحت شعـار (الصناعـات الغـذائية طريق للنهوض بالزراعـة والاقتصاد)، وهمستي أن الحل ليس محلياً بل إقليمي وعـربي، فقد أثبتت المراحل الماضية عـدم جدوى العـمل المنفرد لسد الفجوة الغـذائية العـربية، وللسيطرة عـليها يتطلـّب الأمر عـملاً عـربياً مشتركاً، نظراً للتكامل الذي تتمتع به الأقطار العـربية، فبعـضها يملك الأرض والمياه، والبعـض الثاني يملك رأس المال، والثالث يملك الموارد البشرية، فمن الجوهري ربط العـلاقة بين قطاعـات الاقتصاد لرفع معـدلات نمو النواتج الغـذائية كي نتخلـّص من تهمة: المنطقة الأكثر عـجزاً عـن تأمين الغـذاء لسكانها.