ثقافة وفن

حظ عاثر وعجز بأيدينا

| إسماعيل مروة

في كل ميدان من ميادين حياتنا نمارس القتل الممنهج لكل ما هو قادر على النهوض، وبذرائع مختلفة، واتهامات عديدة، قد تصل أحياناً حدّ الخيانة العظمى التي لا يناقش فيها واحد، وعلى الرغم من وجود جهاز رقابي كبير عدداً وإمكانيات، إلا أن ما يقوم به الأزلام لا يخضع لمراقبة أو مراجعة أو محاسبة من أي جهة، وهذا الغياب لأي نوع من الرقابة، وعلى أي مستوى جعل المتجاوزين يتمادون في غيّهم، ولا يتورعون عن فعل أي شيء يناسب مصالحهم.. ففي كل ميدان تقوم عملية المفاضلة على المصالح وإبعاد القادرين والفاعلين، فمن ينتمي إلى القبيلة هو من يتم اختياره بغض النظر عن أهليته، واحتلاله لموقع وقتله لغياب المقدرة والأهلية، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون من يتم اختياره ممسوح المعالم، ولا رأي له، ولا مقدرة عنده، ظناً من الذي يقوم بالاختيار بأنه خالد في مكانه، لذا يجب ألا يؤثر القادم عليه، وأغلب هؤلاء مرّ عليهم قول ابن الرومي (يقترّ عيسى على نفسه وليس بباق ولا خالد) يرى واحدهم الراحلين قبله، ولكنه لسوء الحظ يعتقد باستمراريته وبقائه، ومن هنا يتم تحييد من يملك معرفة ولمعة ورأياً، ويتم تقريب من لا يملك أي مواصفة من مواصفات المكان المطلوب.. وهذا الأمر المستمر عبر عقود أدى إلى قتل حقيقي لكل مقدرة، ولا نلتفت إلى هذا القتل إلا بعد فوات الأوان! ولو التفتنا فإننا لا نقوم بأي إجراء أو محاسبة أو تدارك، ونبقى نتغنى بأننا الأكثر ثقافة ومعرفة وطاقات! ولو سألت أحد المعنيين يقول: من أين نأتي بالكوادر؟! ليس لدينا الطاقات المؤهلة!!

دفعني إلى هذا الكلام الذي يؤلم كاتبه قبل قارئة ما كتبه الأستاذ عبد الفتاح العوض عن غياب هيكل سورية أو من يشبهه ولو لم يقاربه.. فمن أين يأتي هذا النموذج؟

جيلنا أدرك مسابقات الإعلام لاختيار المذيعين، والذي كان يتكفل به الخبراء الكبار من الأمير يحيى الشهابي إلى فؤاد شحادة وداود يعقوب وصولاً إلى مروان شيخو وعدنان شيخو وغيرهم من القديرين الذين لا يمكن أن يقبلوا للإعلام والإذاعة من هو دون مستوى في اللغة والثقافة، ناهيك عن جيل العمالقة الذي تخرج على سليم الزركلي و فؤاد الشايب ومصطفى الشهابي، ومنهم الدكتور صباح قباني، والذي انتهج النهج نفسه عندما كان مديراً أول للتلفزيون السوري عند بداية بثه من محطة قاسيون.

الآن هل يسمع واحد منا عن مسابقة للمذيعين؟ هل نعرف شيئاً عن هذه المقابلات؟ هل يتقدم الجديرون؟ في أكثر من مرة شهدت من يأتيه هاتف ليجري امتحاناً لإحداهن أو أحدهم، ونراه تسلل ليصبح متصدراً الشاشة على مدار الساعة! واللغة والثقافة تأتي لاحقاً..!

إعلامي ابن إعلامي أو إعلامية، إعلاميون أبناء إعلامي، أقرباء إعلامي! الأسماء كثيرة، الجميع يعرفون هذه الأسماء التي صارت صورة للإعلام في سورية، فهل هذا الإعلام يصنع نجوماً؟ وهل يخرج هذا الإعلام خبرات كما كان مهران يوسف وإلياس حبيب وداوود يعقوب ومروان ا لصواف؟

هل بين إعلاميينا اليوم من يقرأ ا لصحف والكتب؟ لا أظن، وقد عرفت الأستاذ مروان الصواف وكيف يحضّر لمادته، ورأيت الراحل مهران يوسف حين كان يأتي مبكراً ليأخذ نص نشرة الأخبار الورقي ليعدّه ويضبطه، ويستفهم عن بعض الأشياء قبل أن يدخل لقراءتها!

ومع ذلك يوجد لدينا قدرات وطاقات مهمشة وبعيدة، ويوجد لدينا قدرات على رأس عملها لا نرى عندها شيئاً، لأنه ما من وجود لمن يستثمرها، ولا وجود لمن يجعلها نجوماً وقدوة، بل إن الأمر بلغ مرحلة أعلى، فقد ضاعت الدافعية عند القادرين على الإبداع، خاصة عندما يرى أن الأمور تساوت بينه وبين المتسلل أو المتسللة إلى الإعلام! بل يجد نفسه دون ذلك مكانة ومكافآت! كثير من إعلاميينا وكثيرات عندما ذهبوا إعارة أو عقداً إلى منابر إعلامية ظهروا بإبداعهم، وظهرت صورتهم الحقيقية وأعطوا صورة عن الإعلامي السوري المثقف والقادر والنجم وحتى هذه القضية بدأ بريقها يخبو! فلم يعد إعلامنا يصدّر إلا نوعية من الإعلاميين الذين دخلوا تسللاً، وهؤلاء لا يملكون زاداً ولا معرفة ولا قدرة..

ويبقى الإعلامي الحقيقي يقتات أحلامه وما بين يديه، والمتسللون أصبحوا الواجهة.

فعن أي نجم نتحدث؟ وأي هيكل نطلب؟ وأي أحمد بهاء الدين؟ وأي محمد الماغوط؟

أما كان أدباؤنا الجديرون أعلاماً على المستوى العربي؟

أما أسس محمد الماغوط واحداً من أهم الملاحق الثقافية في جريدة الخليج في الشارقة؟

أما كان الملحق الثقافي مقهى ثقافياً لأهم مبدعي سورية؟

إن الواقع محزن، لكنه كان ممنهجاً ومبرمجاً عبر عقود طويلة، فلم تعد استوديوهات بيروت وأثينا ودبي تبحث عن خلدون المالح وعلاء الدين كوكش ودريد لحام وغيرهم من المبدعين الذين ملؤوا الحياة الثقافية والإعلامية العربية في عقود مضت، خاصة في التأسيس.. أسسنا ومضوا، ونحن نندب حظنا العاثر، القواعد الصحيحة تنتج مخرجات سليمة، وغياب القواعد يجعل البيوت منهارة، ولا يجدي القول بعدها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن