بغض النظر عن المضاعفات التي ستولدها عملية طوفان الأقصى على الكيان الإسرائيلي والمكاسب التي ستحققها ميدانياً من منظور المقاومة الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، فقد لاحظ الجميع أنه منذ اليوم الأول لانطلاق عملياتها، سارعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى اتهام المقاومة بارتكاب ما أطلقت عليه «مذبحة السابع من تشرين أول ضد المستوطنين»، وبدأت بتلفيق الأكاذيب لتشويه الفدائيين الفلسطينيين واتهامهم «بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء»، ووظفت هذه المزاعم في وسائل إعلامها ووسائل إعلام القوى الاستعمارية التي أنشأت هذا الكيان وخططت لحروبه ضد العرب وشعوب المنطقة، وكان الهدف من هذه الخطة هو فبركة تبرير مسبق لكل ما سوف تنفذه من مذابح تقتل بوساطتها أكبر عدد من المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة وخاصة الأطفال والأمهات لردع المقاومة عن الاستمرار بعملياتها وشل قدراتها في التصدي لجنود الاحتلال، وعلى جناح السرعة وجدت هذه الوسائل التحريضية الإسرائيلية من يروجها في عواصم الاستعمار في واشنطن من الرئيس الأميركي جو بايدين وفي لندن من رئيس حكومتها وبرلين وباريس لتشويه انتصار المقاومة وإرهابها في أعقاب ما حققته من مفاجأة صاعقة لقوات الاحتلال وتكبيدها خسائر بشرية تزيد على 200 قتيل ومئات الجرحى في أول أيام عملية طوفان الأقصى، إضافة إلى نقل مئات الأسرى إلى قواعد المقاومة في القطاع.
في يومنا هذا وبعد افتضاح الأكاذيب الإسرائيلية وبطلانها باعتراف عدد كبير من المصادر الغربية وفشلها في إيجاد ما يدعم اتهاماتها الخبيثة، بدأت الحرب الإسرائيلية تتجه الآن بعد أكثر من سبعين يوما نحو الساحة الإعلامية بهدف محو ذاكرة المذابح التي ارتكبها الكيان ضد الأطفال والنساء لتضليل الرأي العام العالمي كله، وفرض خطابه الإعلامي على العالم بعد أن تولد تعاطف شعبي واسع مع الشعب الفلسطيني وصموده وتضحياته، وفي هذا الاتجاه أعلنت مؤسسات هوليود لصناعة السينما عن التحضير لعدد من الأفلام الروائية التي ستعمل على تشويه المقاومة بكل وسائل الفبركة والأكاذيب المتبعة في عالم السينما لكي تحول الأنظار عن مذابح الكيان، ولا أحد يشك بأن تلجأ هوليود ووسائل إعلام الغرب الاستعماري إلى الحصول على دعم معظم الدول الغربية في ممارسة كل أشكال التلفيق في هذه الحرب الإعلامية التحريضية ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته الأكثر شرعية ومصداقية في التاريخ أثناء حصاره طوال 16 عاما بالجوع والقتل داخل وطنه.
لقد أصبحت الحركة الصهيونية وكيانها يرتعدان خوفاً من مضاعفات هذا التعاطف مع الشعب الفلسطيني في العالم والتحديات التي تفرضها على الزاعمين بأنهم ضحايا المحرقة النازية وبأنهم الناجون منها، واستخدام الحركة الصهيونية لها لابتزاز العالم الغربي وفرض جدول عمله لصناعة الكيان الصهيوني واغتصاب فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945. وبات من الواضح أن تأييد وتعاطف الرأي العام في أوروبا والعالم مع الشعب الفلسطيني قد قلب صورة الإسرائيلي من «ضحية المحرقة» إلى صورة جلاد يرتكب محارق ضد الأطفال والأمهات في قطاع غزة بشكل موثق ومرئي أمام سمع ونظر العالم بتفاصيل فظائعها وعدد ضحاياها من الأطفال والنساء ومساحات الدمار والقتل بالجملة، وإذا كانت الحركة الصهيونية قد فرضت سرديتها المضللة عما وقع لليهود في الحرب العالمية الثانية وفرضتها على أوروبا من دون أي اعتراض أو مناقشة، فإن العالم كله رأى كل تفاصيل المذابح التي ارتكبها الكيان خلال أكثر من سبعين يوماً لقتل أطفال ونساء فلسطين وتدمير 60 بالمئة من أبنية ومنشآت القطاع وكل مدارسه ومستشفياته وقطع مياه الشرب والطعام والاتصالات عن أكثر من مليونين من الفلسطينيين في كل ساعة ويوم، وفي كل شاشات التلفزيونات، إلى حد جعل مراسلة قناة «سي أن إن» الأميركية المعروفة بانحيازها لإسرائيل تقول أثناء سيرها في شوارع غزة في 14 كانون الأول الجاري: «هنا في شوارع غزة لا يحتاج المرء إلى البحث والتفتيش عن دمار البيوت وموت البشر فكل شيء واضح وصارخ».
ومع كل هذه الحقائق أصبحت عبارة «الناجون من مذابح إسرائيل في القطاع» أول الوثائق التاريخية الحية صوتاً وصورة للمحرقة التي نفذها جيش الكيان والمستوطنين، وسوف يحمل الناجون من أطفال فلسطين صور أمهاتهم وآبائهم الشهداء مثلما ستحمل نساء فلسطين صور أطفالها الذين قتلهم جيش الاحتلال فوق دمار البيوت وتحتها، إنه سجل اجترح فيه شعب فلسطين صموداً منقطع النظير وقدم تضحيات كبيرة ضد أعتى جرائم الحرب وأكثرها وضوحاً في تاريخ الإنسانية.