ثقافة وفن

في يومها العالمي… اللغة العربية في وجه التحديات … العربية حملت ما هجرته الألسنة

| مصعب أيوب

لعل لغتنا العربية هي أهم ما يميز هويتنا الثقافية وهي تشكل موضع فخر لنا لأنها تلعب دوراً جوهرياً في تقوية الشخصية العربية، وقد توسعت شيئاً فشيئاً لتزدهر مع ازدهار الجامعات والآداب والفنون والعمارة، ولا يمكننا أن ننسى هنا حضارة العرب والمسلمين في الأندلس، ولعل من أبرز ما يدمغ قولنا إرسال الملوك والأمراء وحكام أوروبا أولادهم للدراسة في جامعات الأندلس العربية.

«الوطن» تواصلت مع بعض المختصين في اللغة العربية في مناسبة اليوم العالمي لها الذي أقرته الأمم المتحدة ليكون في الثامن عشر من شهر كانون الأول من كل عام، بشأن بيان دورها الجوهري وقيمتها المعرفية وأبرز التحديات التي تواجهها وبعض الحلول التي من الممكن أن تحفظ ماء وجهها.

د. البيطار: لغة موحدة لأمة عظيمة

وقد أفاد عضو مجمع اللغة العربية د. محمد شفيق البيطار حول أهمية اللغة العربية ومكانتها ودورها المحوري بأن اللغة العربية وكل لغة من لغات الأمم الحية روح لهذه الأمة، لأنها تحمل معتقدها وأدبها وأخلاقها وعلومها، ولأنها تحفظ ذلك كله وتنقله من جيل إلى جيل، على أن للغة العربية مزية ليست للغات سائر الأمم، وهي أنها حملت معظم ألفاظ اللغات العروبية التي هجرتها الألسنة منذ أن غلبت عليها العربية الفصيحة لأسباب كثيرة، على رأسها ما فيها من مزايا في ألفاظها وتراكيبها، وأنها صارت بعد الإسلام لغة موحدة لأمة عظيمة واحدة على اختلاف أديانها وأعراقها، فكانت لغة الدين والعلم والثقافة.

أما اليوم فهي اللغة التي ينطق بها فوق ثلاثمئة مليون من سكان البلاد العربية، ويتفاهمون بها، وبلهجاتها العامية، كما تتفاهم الأمم التي تتكلم باللغات الأخرى وبلهجاتها، فضلاً عن نحو مليارين من المسلمين هي لغة دينهم عقيدةً وفقهاً وعبادةً، إلى جانب إقبال الأمم الأخرى على تعلمها لأسباب اقتصادية وسياسية وعلمية، فلا تكاد تجد بلداً في الشرق أو الغرب إلا وقد أنشئت فيه الكليات والمعاهد لتعليم العربية وتعلمها.

د. طعمة: دور ريادي

وقد شددت رئيسة قسم اللغة العربية في جامعة دمشق د. منى طعمة على أن اليوم العالمي للغة العربية يجسد الدور الريادي والمسؤولية العربية في إعلاء الهوية وتمكين اللغة من أن تحظى بفاعلية.

وأشارت طعمة إلى أن عالمية اللغة العربية ومكانتها المقدمة بين اللغات وقدرتها على مواكبة متطلبات العصر المتجددة تحمّل أبناءها مسؤولية قومية تتجلى في تمكينها وإعلائها عن طريق العمل الفعال في المؤسسات التعليمية والإعلامية ومجامع اللغة العربية والوقوف ضد محاولات التغريب والتشويه والهيمنة اللغوية التي يحاول أعداء الأمة فرضها على الأمة العربية.

كما ركزت على أن اللغة العربية هي لغة انتماء ووحدة، تتجلى فيها الأصالة والدقة والسعة في الألفاظ والتعبير، وستبقى عزيزة قوية مادام أهلها متمسكين بهويتهم الأصيلة، فخورين بعروبتهم الشامخة، معتزين بقداسة كتابها العظيم.

د. الياسين: محتوي ضئيل

مدير عام الهيئة العامة السورية للكتاب د. نايف الياسين أفاد في كلمته لـ«الوطن» أن التحديات التي تواجهها اللغة العربية ناجمة عن عدد من العوامل، أهمها ضخامة الإنتاج المعرفي في اللغات الأخرى وضآلة مثيله في اللغة العربية، وهذا يزيد من درجة اعتماد الناطقين بالعربية على اللغات الأخرى، ولا سيما الإنكليزية، واقتحام كثير من المفردات والتعابير الأجنبية اللغة العربية.

وهذا الأمر ليس سيئاً بحد ذاته، إذ إن جميع اللغات يتأثر بعضها ببعض، ويمكن للاقتراض أن يغني اللغة المقترضة؛ لكن عندما يترافق ذلك مع ضعف المرجعيات اللغوية، والمؤسسات التعليمية، ووسائل الإعلام التقليدية، تحدث فوضى تربك مستعملي اللغة العربية.

وفي عصر الاعتماد المتزايد على الشابكة ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام غير التقليدية، يشكل الضعف الشديد للمحتوى الرقمي العربي تحدياً يزداد جسامة.

وكل من يبحث عن معلومة باللغة العربية يصاب بالإحباط من ضآلة هذا المحتوى، على حين أن من يبحث عن معلومة باللغة الإنكليزية، مثلاً، يجد فيضاً كبيراً يمكن الحصول عليه بسهولة ويُسر.

وقد تكون إحدى أكثر الوسائل نجاعة في دعم اللغة العربية تصميم برمجيات وتطبيقات متاحة وسهلة الاستعمال على الحواسب والهواتف المحمولة لضبط اللغة العربية، والتدقيق اللغوي، وإنتاج مواد شائقة باللغة العربية تغري الناشئة بقراءتها ومشاهدتها والاستماع إليها.

د. العوابدة: ثورة صناعية

وقد أوضح الأستاذ الجامعي د. رياض العوابدة أن اللغة العربية كانت في وقت سابق لها وجودها وقدرتها على إثبات قوتها، ولكن في ظل التطورات الحديثة في العصر الحالي فقدت العربية القدرة على الإبداع فلا توجد مكتشفات جديدة وبقيت اللغة العربية لغة الكلام وأحياناً الكتابة ولم تعد قادرة بشكل عام على متابعة التقدم التكنولوجي في العالم، والعيب ليس فيها بالطبع ولكن السبب يعود إلى ضعف أهلها الذين لم يقدموا لها ما تستحق.

كما بين العوابدة أن تطوير اللغة العربية بحاجة إلى ثورة صناعية وتمويل مالي ضخم أولاً بحيث أن الدول القوية اقتصادياً تستطيع أن تحقق انتشاراً كبيراً بمنتجاتها وصادراتها وبالتالي لغتها ستغدو في المقدمة، وكذلك تمويل مشروعات الترجمة في جميع الاختصاصات لكي ننتقل من الضعف إلى القوة.

د. كوكة: طوع البنان

في حديث لـ«الوطن» بينت الأستاذة في قسم اللغة العربية في جامعة دمشق د. فاتن كوكة أن اللغة العربية تعد جوهرة مكنونة، ودرّة مصونة، حفظها القرآن الكريم، ولكن مشكلة انتشار العامية على وسائل التواصل الاجتماعي هي واحدة من أهم المشكلات التي تواجهها لغتنا العربية الفصيحة، والتي تعتبر أن حلها يجب أن يبدأ من الصفوف التدريسية في المراحل الابتدائية والإعدادية ومن ثم الجامعات من خلال تعزيز أهمية التحدث باللغة العربية الفصيحة، وتدريب التلاميذ في المدارس، والطلبة في الجامعات، على إتقان التعبير عن أفكارهم بأسلوب فصيح وسليم، لتصبح اللغة العربية الفصيحة حاضرة في القلوب والأذهان، ولتكون طوع البنان في كل زمان ومكان.

مجهود كبير ومكثف

تبدو مسألة مستقبل اللغة العربية معقدة بعض الشيء في ظل التحديات المحلية والعالمية ومخططات الدول الكبرى لفرض سلطتها ونفوذها وبالتالي ثقافتها ولغتها.

ونحن أبناء الضاد يجب ألا نكتفي بتمجيد هذه اللغة والتغني بها بل لا بد من طرح عدة تساؤلات هنا تتمحور في جلها حول إمكانية مدرس اللغة العربية تقديم جلسة تعليمية مشوقة بعيداً عن الخطابة والتقريرية، ولماذا لا يركز مدرسو اللغة العربية وأهلها على جميع جوانبها من قراءة وكتابة واستماع ونطق تماماً كما يتم الاعتناء بالانكليزية؟، وماذا عن العامية التي تتطور شيئاً فشيئاً وهل تشكل خطورة على العربية كخطورة اللغات الأجنبية؟ ولماذا تغيب المراكز البحثية المختصة على حين تقتصر النشاطات التدريسية على الدروس التعليمية؟، وهل يبقى الدافع الديني هو المحرك الرئيسي لحفاظ الدول الإسلامية على اللغة العربية؟، وما مسؤوليتنا في سبيل وضع لغتنا العربية في مصاف اللغات العالمية الفاعلة في الصراعات الثقافية؟.

لابد أن جميع هذه التساؤلات معقدة وبحاجة لمعالجتها بطرق علمية جادة ومجهود كبير وسخاء وتصور جاد وشامل وهو ما لا يستطيع فرد واحد التصدي له ولا بد من تضافر جهود كبيرة من مؤسسات وأفراد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن