اقتصاد

حرب «البراميل السوداء»

| علي نزار الآغا

انشغل العالم في العام 2010 بخلق آليات تنافسية للخروج بأقل الخسائر الممكنة من الأزمة المالية العالمية عام 2008، فاشتعلت ما سماها وزير المالية البرازيلي جويدو مانتيجا «حرب العملات»، وهو الذي كان أول من حذر من نشوب هذه الحرب في ساحات الاقتصاد العالمي، في أيلول من العام 2010.

يتكرر مشهد الاقتصاد العالمي اليوم، ولكن هذه المرة في أسواق النفط، إذ بدأت تظهر ملامح حرب نفط في أسواق العالم، مع تحرك أسعار «البراميل السوداء» هبوطاً مع التوقعات التي انتشرت نهاية العام الفائت «2015» وكان أشهرها، الأكثر تشاؤمية، التي صدرت عن بنك غولدمان ساكس، إذ توقع استمرار انخفاض سعر برميل النفط حتى 20 دولاراً للبرميل، وها هو السعر اليوم يتحرك هبوطاً دون 29 دولاراً، قرب أدنى مستوى له في 13 عاماً، الأمر الذي يثير حفيظة الدول المصدرة للنفط، لاسيما دول الخليج العربي، خاصةً وأنها متوجسة نوعاً ما من تقرير مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البريطانية للأبحاث الذي توقع أن تبدأ أسعار النفط المتراجعة بإلقاء ثقلها على النمو الاقتصادي في دول الخليج خلال العام الجاري (2016)، كما توقَّع نمو الناتج المحلي الخليجي بين 1 و2% على مدى السنوات القليلة المقبلة، وهو أقل معدل للنمو شهدته منذ مطلع الألفية الثالثة، بغض النظر عن الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

وصف المشهد
برز القلق على الساحة الدولية الأسبوع الماضي مع تزايد المخاوف من إمكانية أن يؤدي استئناف إيران صادراتها النفطية إلى زيادة العرض العالمي في ظل ضعف الطلب.
وبالفعل، أصدرت إيران قراراً يوم أمس بزيادة إنتاج النفط الخام بواقع 500 ألف برميل يومياً لتطبق بذلك سياستها المتمثلة في تعزيز الإنتاج عقب رفع العقوبات عنها.
من جهته خفف وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، من وطأة ما يجري في أسواق النفط، وذلك في مقابلة خاصة أجرتها شبكة CNN الأميركية، مبيناً أنه «سوف نشهد تحسنا، لكنه لن يكون في الربع الأول أو الثاني، وأعتقد أن الصعوبات ستستمر في الأشهر الستة الأولى، وبهذا المعدل لا نتوقع تحركاً كبيراً للأسعار باعتبار التراجع خلال النصف الأول من العام».
وفي محاولة لإخفاء خالة القلق مما يجري في أسواق النفط وانعكاساته الاقتصادية السلبية على دول الخليج العربي، «غرّد» نائب رئيس دولة الإمارات محمد بن راشد آل مكتوم، بأن الإمارات ستحتفل بتصدير آخر برميل من النفط، في إشارة إلى تخلص اعتماد اقتصادها على النفط.
إلا أن الشركات العالمية لم تستمع إلى هذا الكلام، فوقع الأسعار في الأسواق أقوى، إذ أعلنت شركة «وود ماكنزي» لاستشارات الطاقة، أن انهيار أسعار النفط أجبر 86 شركة عملاقة على تعطيل مشاريع نفط وغاز تقدر قيمتها بنحو 380 مليار دولار.
بدورها أعلنت شركة رويال داتش شل يوم أمس أنها قررت الانسحاب من خطة تطوير حقل باب للغاز العالي الكبريت في أبوظبي وعزت ذلك لهبوط سوق النفط.

تحت مجهر الاقتصاد
تقدّر الفجوة بين الطلب العالمي على النفط والعرض بنحو 2.28 مليون برميل يومياً، لمصلحة العرض، وذلك على أساس بيانات منظمة الأوبك المعلنة في تقريرها الشهري الصادر يوم أمس (اطلعت «الوطن» على نسخة إلكترونية منه)، إذ بلغ وسطي الطلب اليومي في آخر شهر من العام الفائت (2015) بنحو 92.92 مليون برميل يومياً، في حين بلغ وسطي العرض 95.2 مليون برميل يومياً.
ومع قرار إيران يزيادة إنتاجها 500 ألف برميل يوم أمس، تزداد الفجوة إلى 2.78 مليون برميل يومياً، أي بنسبة 22%، وإذا واصلت نشاطها برفع إنتاجها إلى مليون برميل، ستزيد الفجوة إلى 3.28 ملايين برميل نفط يومياً، أي بنسبة 44%.
إلى ذلك، فإن الضغط في سوق النفط يعني 3.28 ملايين برميل يومياً عرضاً زائداً عن الطلب، (وهذا يمثل 3.51% من الطلب اليومي في سوق النفط) ما يعني استمرار هبوط الأسعار وفق آلية العرض والطلب.
منظمة الأوبك تعتمد على المنافسين من خارجها، لخفض إنتاجهم، بحيث تلجم أسعار النفط المتهاوية، لمنع حدوث كارثة اقتصادية بالنسبة للدول المصدرة للنفط، وفي الوقت نفسه تحاول الدول المنافسة الضغط على الأوبك لخفض الإنتاج، ولكن دون جدوى.
سيناريو «حرب البراميل السوداء» لاشك أنه سيتوقف عند حدً معين من الانخفاض، ولكن الحديث اليوم هو عن كلفة تلك الحرب، وتداعياتها الاقتصادية، لاسيما أن هناك دولاً أوروبية ونامية، سعيدة بهذا الانخفاض لأنه يخفض من فواتير استيراد النفط وينشط الصناعات، ويمنح ميزة تنافسية لسلعها في الأسواق العالمية بسبب انخفاض تكاليف إنتاجها بسبب انخفاض تكاليف الطاقة، من دون أن تضطر إلى تخفيض قيمة عملاتها الوطنية.
ولكن، لا يمكن لأحد حتى الآن تحديد هذا الحدَ الذي سوف ترتد فيه أسعار النفط باتجاه منطقة الأمان الخضراء، علماً بأن بعض الأوساط الإعلامية العالمية بدأت تشير إلى مستوى 10 دولارات للبرميل الواحد.
إلى ذلك، فإنه عند مستوى أدنى من الحالي، سوف نشهد حركة من قبل المضاربين أولاً، في السوق، باتجاه الشراء، بمجرد بروز إشارات إلى تغير موقف الأوبك، فيزداد الطلب بشكل كبير على النفط بهدف تحقيق أرباح رأسمالية مهمة، كما يشكل هبوط البرميل قرب 20 دولاراً فرصة قد لا تتكرر في نصف قرن لبعض الدول كي تدعم أو تكون مخزونات إستراتيجية من مصدر الطاقة الرئيسي في العالم، وهنا لا يمكننا أن نخفي وجود أصابع خفية ساهمت في وصول المشهد العالمي اليوم إلى ما هو عليه بهدف تعزيز المخزونات الإستراتيجية لدى بعض الدول العظمى بأقل كلفة ممكنة. كما لا يمكننا أن نؤكد هذا الأمر.
ولكن المرجح أن تفقد دول مجلس التعاون الخليجي بين الثلث إلى النصف من مخزونها النفطي الكلي المقدر بحوالي 2.4 تريليون دولار، وفقاً لمعهد صندوق الثروة السيادية بالعالم، خلال السنوات الأربع القادمة، لترميم خسارتها الاقتصادية.
مما لاشك فيه أن روسيا وإيران تتأثراً أيضاً بهذا السيناريو الأسود، ولكن يبدو أن إيران تعتمد على اقتصاديات الحجم في امتصاص تداعيات «الحرب النفطية»، فزيادة إنتاجها حالياً نصف مليون برميل، يؤمن إيرادات تسد العجز الحاصل جراء انخفاض السعر، فتقلص بذلك من آثار العجز في موازناتها.
وبالأرقام، تنتج إيران يومياً 2.88 مليون برميل نفط يومياً (بحسب آخر بيانات الأوبك) وبزيادتها 500 ألف، سوف يزيد إنتاجها يومياً إلى 3.38 ملايين برميل لتصبح بذلك ثالث أكبر المنتجين في الأوبك بعد السعودية والعراق، متخطية الإمارات العربية المتحدة.
أي إن زيادة الإنتاج بنحو 17.4% سوف تقلص من العجز في الموازنة، وقد تزيد إيران إنتاجها بنسبة 35% برفعه مليون برميل يومياً، ما سيمتص نسبة ليست هينة من العجز المالي. ولكن على حساب الاحتياطيات النفطية.
أما روسيا، فقد اتجهت نحو الغاز، لتوسيع دائرة التعاون في مجال الطاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
بقي أن نشير إلى أربع نقاط رئيسية، أولها أن تحول اقتصاديات الدول المصدرة للنفط باتجاه اقتصاد المعرفة أو أي أشكال اقتصادية إنتاجية أخرى محركة للنمو الاقتصادي ودافع للتنمية غير النفطية، يحتاج وقتاً طويلاً ليعطي نتائج ملموسة، كما يحتاج تمويلاً هائلاً، ينتج ضغوطاً على السياسات المالية والنقدية في تلك الدول.
ثانياً، سوف تتأثر تحويلات العاملين في تلك الدول إلى ذويهم في الدول النامية، مع تأثر النشاط الاقتصادي سلباً، ما يساهم في نقل جزء من هذا الأثر السلبي على اقتصاديات الدول النامية التي تعتمد بصورة مهمة على تحويلات المغتربين.
ثالثاً، الانخفاض الحاد في سعر النفط سوف يولد أزمة حادة في أغلب بورصات العالم، ولاسيما الدول المصدرة للنفط، إذ سوف تنهار أسعار أسهم كبرى شركات النفط، وما يرتبط بها من قطاعات أخرى، ما يتطلب تحرك سريع لامتصاص هذه الأزمة المتوقعة، كي لا نشهد أزمة عالمية جديدة على غرار أزمة العام 2008.
رابعاً، على الدول المستوردة للنفط والتي تعاني من ظروف حرب كسورية، استثمار هذا الواقع النفطي العالمي، ولاسيما أنها أمام فرصة ذهبية، لتقليص عجز موازنتها، وتخفيف الأعباء المعيشية على المواطن.
وفي النهاية، سوف يزداد الوضع سوءاً، فيما لو سعت بعض الدول لتحدي إيران يزيادة انتاجها هي الأخرى، عندها، تأخذ «الحرب النفطية» شكلها الحقيقي في ميدان السوق العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن