يعترف أحد قادة الليكود السياسيين وعضو الكنيست اوريئيل لين في تحليل نشره في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أول أمس أن جيش الاحتلال وقيادته السياسية تلقوا هزيمة واضحة من السابع من تشرين الأول حتى الآن، وقال إن: «العبرة من عام 2023 المنصرم، هي عدم وجود منتصر بيننا»، ودعا إلى «إجراء تغيير في المبادئ الأساسية التي تبنتها إسرائيل ووضع مبادئ أخرى تضمن أمننا ووجودنا».
ويرى في تحليله أن «الإسرائيليين لا يعرفون كيف ستنتهي الأيام الأخيرة لهذا العام بعد عملية «السيوف الحديدية» التي شنها الجيش على قطاع غزة قبل أكثر من سبعين يوماً رداً على «طوفان الأقصى»، وهي لم تنته بعد، ولا نعرف كيف سيتشكل الوضع الجيو- سياسي في أعقابها، لكن النتيجة الوحيدة الواضحة جداً بعد هذه العملية هي أن عام 2023 هو أسوأ الأعوام التي شهدتها إسرائيل منذ عام 1948، وهو أسوأ من عام 1973 الذي شهدنا فيه حرب تشرين الأولى».
يبين لين أن الفروق بين حربي تشرين الأولى والثانية كان من بينها أن حرب عام 1973 جرت «بين جيوش، على حين في حرب عام 2023 جرت على يد منظمات مسلحة شنت حربها ضد مستوطنات ومواقع الجيش في داخل منطقة غلاف قطاع غزة في أراضي عام 1948، وكان من بين الفروق أيضاً أن الوضع الذي خلفه الانقسام الإسرائيلي الداخلي عام 2023 في موضوع تعديل النظام القضائي الذي أراد (رئيس حكومة الاحتلال) بنيامين نتنياهو فرضه، اتسعت هوته بين كتلتين سكانيتين وسياسيتين كبيرتين، وانخرط جنود وضباط من الاحتياط في الجدل والانقسام العلني فيهما».
كان من اللافت أن يعترف لين بأن الكيان كله انشغل في هذا الموضوع، وبقي مصراً على الانقسام حتى السابع من تشرين أول وانطلاق عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية التي فاجأت الجميع بتطوراتها الميدانية المتسارعة، وما كبدته للجيش والمستوطنين من خسائر بشرية ومعنوية تسببت بصدمة مذهلة للقيادة السياسية والعسكرية وللمستوطنين، لأنها اقتحمت بتلك المفاجأة ونيرانها المكثفة تفاصيل هذه الأطراف الثلاثة وزعزعت الثقة بين كل طرف وآخر، وهذا ما سلط عدد من المحللين العسكريين الإسرائيليين الضوء عليه حين استشهدوا بمظاهر الاضطراب في اتخاذ القرار في الأيام الثلاثة الأولى لسير معارك عملية «طوفان الأقصى» ونقل أكثر من ثلاثمئة وخمسين أسيراً إلى قواعد المقاومة داخل قطاع غزة، ولا شك أن رقماً بهذا الحجم جعل المستوطنين وجنود الجيش يدب فيهم الهلع والصدمة الكبرى حين كانت في الوقت نفسه تتساقط صواريخ المقاومة على مستوطناتهم من دون توقف، فقد شلت هذه العملية المكثفة والمتسارعة لاصطياد النصر المباشر فيها، كل قدرات الجيش والقيادة العسكرية، وظهر ذلك جلياً من طبيعة الرد الإسرائيلي العسكري المضطرب حين استخدم نيرانه ضد الإسرائيليين أنفسهم والأجانب الذين كانوا يقيمون حفلاً موسيقياً قرب إحدى المستوطنات، وظنهم بثيابهم المدنية من الفلسطينيين الذين اخترقوا حدوده وأصبحوا في عقر مواقعه فقتل منهم العشرات وأصاب المئات بجراح بمروحياته العسكرية.
يوضح لين في تحليله أن «المجتمع الإسرائيلي بقي منقسماً على نفسه من دون أن يحقق كل طرف فيه الانتصار على الطرف الآخر في موضوع تعديل النظام القضائي، واتسعت التناقضات الاجتماعية واشتد التناحر في أشكالها وتبين في النهاية أن الجميع كان خاسراً».
يضيف لين: «جميع أفراد القيادة العليا في الجيش وكذلك في القيادة السياسية، لم يتوصلوا إلى إدراك خطورة المنظمات الفلسطينية وما تقوم به من تكديس لقدراتها العسكرية عند حدود إسرائيل»، ويختتم تحليله قائلاً: «مع اقتراب انتهاء الأيام الأخيرة لهذا العام لا بد من التساؤل عما إذا كنا قادرين على استخلاص درس مما حدث في السابع من تشرين بعد أن بات كلنا أمام هزيمة في داخلنا».
ربما يكمن فرق آخر بين حرب تشرين الثانية 2023، وحرب تشرين الأولى 1973، في حقيقة أن القرار في حرب تشرين 1973 كان بيد طرفين متفقين مصر وسورية إلى أن خرقت مصر وحدة القرار وانفكت عن الحرب، فبقي الطرف الآخر السوري وحده لاستكمال أهداف الحرب، على حين كان صاحب القرار في حرب تشرين الثانية «طوفان الأقصى» طرفاً واحداً وليس طرفين، هو المقاومة وفصائلها، وهذا ما يضعها الآن أمام مهام جسيمة تتطلب وحدة صفها من داخلها لفرض استحقاقات عملية «طوفان الأقصى» ومنجزاتها والمحافظة عليها بعد كل تلك التضحيات الجسيمة والصمود العظيم للشعب الفلسطيني ومقاومته.