ثقافة وفن

دراويش بديع جحجاح رموز المحبة في بيروت … جوهر وعيهم للحياة وفيزياء طوافهم لتشكيل وثائق عرفانية في المشروع الصوفي

| إسماعيل مروة

منذ سنوات طويلة، والفنان المبدع بديع جحجاح يعمل على مشروعه الفني والفكري بلا هوادة، هو فنان له خطه في التصميم والإبداع واللوحة، ولكنه منذ عقود عشق الصوفية والمولوية، ووصل إلى حد من التماهي الفكري مع التصوف الإنساني، فكانت المولوية، وكانت معزوفته المأخوذة من روح يسوع (المجد لله في السماء) وكل فنه فكرياً يسعى إلى زاوية واحدة (المسرة، وعلى الأرض السلام).

ومنذ انطلاقة مشروعه الصوفي في المولوية من قصر الشهبندر، تفرّغ الفنان لسبر أغوار الصوفية، وأعطاها وقته وفنه، فصاغها لوحات، وسكبها منحوتات، وجعلها قلادات، وكل ذلك في إطار سعيه للوصول إلى سرّ الأشياء في المحبة.

ألف نون

وفي صالته ومحترفه ومرسمه (ألف نون) صاغ جحجاح قالبه الفني الخاص، وجعل مرسمه فسحة لعرض إبداع الفنانين، وجال في كل أصقاع سورية، ونظم المعارض على الرغم من الحرب، وفي كل معرض كان يسعى إلى روح المحبة والسلام، فصاغ من المفاهيم الدينية والصوفية إسلامية ومسيحية لوحات كانت برأيه ضرورية لرواية القصص والحكايات عن روح الشرق الدافئة، وطبيعة البنية العاطفية للإنسان في هذا الشرق، وكل هذا الإنتاج الذاتي، والمعبر عن الحب للغير حفلت به صالته ألف نون، فكانت نقطة صوفية تضج بالطاقة الإيجابية على الرغم من الحرب.

اللوحة والرمز

كانت عباءة المولوي بداية لانطلاقة المشروع، الذي لا يحتاج منا إلا لتذوق الجمال والحرية والفضاء، ما لبث الصوفي عنده أن أخذ حالات في عباءته أو حركة يديه وما شابه ذلك، لتصبح الحركة في كل لحظة دالة على شيء محدد ليس معهوداً في لوحة سابقة، أو في مرحلة سابقة من تجربة الفنان، ويذكر للفنان أنه أخلص لهذا المشروع فناً وفكراً، إذ انطلق من تصميمه ومعرفته إلى القضايا الفكرية، وكانت لوحاته التدبرية، أي التي تحتاج إلى قراءة وتدبر (أفلا يعقلون) واللوحات التي تحتاج معها أحياناً لرؤية الفنان لسبر غورها، بعيداً عن الناحية الجمالية التي لا تحتاج إلى شرح فالنون لها موقع والنقطة لها دلالة والرمز له معناه، وفي المحصلة أنت أمام مبدع يربط الرموز مهما كان منشؤها، ليقول: إن الإنسان مهما كان انتماؤه واحد، وهو الغاية والهدف، ولا معنى للاختلاف ونقطة الوجود واحدة.

الرؤية والحب

من متابعة رحلة الفنان لن نجد عناء بأن رؤيته الفنية جاءت لتكمل رؤيته الفكرية، وهو لا يفصل بين الرؤيتين، فهو في رمزية الفني والفكري يصوغ عالماً من الحب، ويدعو إلى الوعي في التكوين المرئي وغير المرئي إلى تذوق هذا العالم الجمالي الذي يدفعنا إلى الحب، من خلال الخير والجمال والحرية التي يتمتع بها الدرويش، أو تسعى إليها نقطة نون الساعية نحو السمو والسماء والانطلاق، وفي ذلك يقول في حديثه عن معرضه (الدراويش رموز المحبة) الذي يفتتح اليوم الأربعاء في بيروت بالتزامن مع عيد الميلاد والمحبة التي يمثلها.. ما زلت في حضرة المتصوفين أهل العرفان والعشق شمس التبريزي وجلال الدين الرومي ورابعة العدوية وابن عربي والحلاج أنثر معهم طاقة الروحانيات عبر الفن من خلال الكلمة الطيبة، ودمج الثقافات ضمن مختبر لإعادة تشكيل الوعي جهة الارتقاء بالإنسان.

وبكل تواضع يقول: سأعرض عليكم تجربة متنوعة مقطرة مما أنجزته خلال 12 عاماً من حيث التقنية والأختام وعوالم الأبيض والأسود مستوحاة من الدراويش، وجوهر وعيهم للحياة، وفيزياء طوفهم ومعانيه، وهي تأسيس لمرحلة قادمة بعنوان (وثائق عرفانية).

استطاع بديع جحجاح بما ملك من خبرة فنية وإبداع متميز، ومن قدرات تصميمية عالية أن يمزج بين أمور عديدة في لوحاته ومشغولاته، وأن يسبغ على ذلك مزيداً من الفكر والرؤية، ليكون ممثلاً للفن السوري الداعي إلى الحب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن