قضايا وآراء

أوستن يرش السكر على الموت

| منذر عيد

تحاول الإدارة الأميركية، رش «السكر على الموت»، عبر التغطية على إخفاق ربيبتها إسرائيل في تحقيق أهداف العدوان الذي تشنه على قطاع غزة، بإلباس الهزيمة ثوب الخطط التكتيكية، وذلك بالتزامن مع الاعتراف المبطن للكثير من المسؤولين في تلك الإدارة، وفي داخل الكيان الصهيوني بأن هزيمة المقاومة والقضاء على حركة حماس ضرب من المحال بعد مرور 74 يوماً من عمر العدوان على غزة.

تحت عنوان تكتيك «كيفية الانتقال من العمليات عالية الكثافة إلى عمليات أقل كثافة والمزيد من العمليات الجراحية» كان محور نقاشات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أثناء حديثه مع قادة الكيان الإسرائيلي خلال زيارته للكيان أول من أمس، حيث نقل موقع «المونيتور» عن أوستن قوله «في أي عملية مثل هذه (العدوان على غزة) ستكون هناك مراحل، والجزء الأصعب هو الانتقال من مرحلة إلى أخرى، والتأكد من أن كل شيء في الاعتبار وأنك تقوم به بشكل صحيح».

حديث أوستن بضرورة الانتقال إلى المرحلة الثالثة من العدوان، وإنهاء العمليات الكبيرة لجيش الاحتلال، والتركيز على توغلات خاصة لضرب أهداف معيّنة، وفرض مناطق عازلة، هو بمنزلة نهاية العدوان من دون الإعلان عن ذلك، وهو اعتراف ضمني بفشل العدوان وعدم قدرة جيش الاحتلال على تحقيق أهدافه سواء لجهة القضاء على المقاومة وحماس تحديداً، أم لجهة تحرير الأسرى، وبالتأكيد فإن ضغط الإدارة الأميركية على الكيان وقبول الأخير بذلك مبدئياً حسبما أعلن وزير الحرب يوآف غالانت، أن «إسرائيل ستنتقل تدريجياً إلى المرحلة التالية»، لم يكن من حرص واشنطن على أرواح المدنيين في غزة ولا على بناه التحتية، فهي من مدت آلة القتل الإسرائيلية بآلاف الأطنان من المتفجرات التي أدت إلى استشهاد قرابة 20 ألف فلسطيني، ومحت أحياء من الجغرافيا الغزاوية، بل لمعرفته بأن جيش الاحتلال لم ينجز أي شيء يمكنه من البوح به واستثماره في الحديث عن نصر ضد المقاومة، وخاصة أن الأخيرة تتحرك في أكثر المناطق التي أعلنها الاحتلال آمنة وتحت السيطرة بشكل كامل، حال «بيت لاهيا» التي نشرت «كتائب القسام»، مؤخراً مقطع فيديو يُظهر استهداف جيب عسكري إسرائيلي على مقربة من السياج الحدودي بين القطاع ومستوطنات الغلاف، قرب معبر «إيرز».

لم يكن حديث أوستن عن مرحلة جديدة من العدوان على غزة، أولى التصريحات الأميركية لإعلان مبطن عن هزيمة جيش الاحتلال، فقد سبقه إلى ذلك تصريحات ضابط الاستخبارات العسكرية الأميركيّ السابق سكوت رايتر، وهو مفتش الأمم المتحدة المكلف البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق خلال الأعوام من 1991 إلى 1998، بأن «حركة حماس قد انتصرت بالفعل بعمليتها المعقدة والمتقدمة في تشرين الأول الماضي، وأنّه لا يمكن القضاء عليها»، وهو ما يشكل رمزية مهمة جداً في قراءة واشنطن لمستقبل العدوان الإسرائيلي على غزة، واستشراف نتائجه، وربما تتسم بدعوة غير مباشرة لدراسة خيارات أخرى في طريقة التعامل مع المقاومة، والقبول بالأمر الواقع لجهة وجود حماس وسط حاضنة شعبية، لا يمكن ببساطة القضاء عليها عسكرياً.

إدراك واشنطن لحقيقة استحالة هزيمة حماس، رغم فيض الإجرام والقتل الذي ارتكبه الكيان الصهيوني في غزة، دفعت بالرئيس جو بايدن قبل ذلك إلى التوطئة بشكل غير مباشر، والهرولة إلى إنقاذ سمعة بلاده الملطخة بدماء أطفال ونساء غزة، وإنقاذ الكيان الصهيوني من مصير أسود قبل أن تأخذ المقاومة ما تبقى من «هيبة» مزيفة للكيان الصهيوني، فكانت تصريحاته قبل حين أن «الإسرائيليين بدؤوا يفقدون دعم المجتمع الدولي، ويتعين على نتنياهو تقوية وتغيير الحكومة، لإيجاد حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني».

تصريحات القادة والمسؤولين الأميركيين، لا تأتي من فراغ، أو عن عبث، بل هي مقرونة بمنعكسات ونتائج عسكرية في أرض الميادين، تؤكد تكبد جيش الكيان الصهيوني خسائر كبيرة في صفوف جنوده، وهو ما تعكسه أعداد قتلاه في غزة والتي بلغت حتى أول من أمس وفق هيئة البث الإسرائيلية 458 جندياً وضابطاً، ليكشف قائد كتيبة لواء غولاني الأسبق موشيه كبالنسكي أن اللواء خسر ربع قواته بين قتيل ومصاب منذ عملية طوفان الأقصى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن