الخط العربي واللوحة والهوية في ندوة … إحياء ذكرى أدهم إسماعيل ومحمود حماد وتجربتهما الفنية الممتعة مع الخط العربي
| إسماعيل مروة
أقيمت ندوة مهمة في كلية الفنون الجميلة للخطاط الكبير عدنان شيخ عثمان، والذي يمثل سورية في الملتقيات الدولية للخط، والحائز ثلاث عشرة جائزة دولية، والفنان التشكيلي الكبير الدكتور محمد غنوم صاحب التجربة العميقة في الخط العربي وتوظيفه في اللوحة التشكيلية، والذي استطاع أن يوصل اللوحة العربية إلى أقاصي الأرض، وكانت الندوة تتناول الخط العربي واللوحة والهوية، أدارها الناقد الأستاذ سعد القاسم، وتحدث الفنانان عن تجربتهما، وعرّج عدنان شيخ عثمان على مكانة سورية في الخط العربي، إذ تحتفظ سورية بالمرتبة الأولى عالمياً منذ ثلاثة عشر عاماً، وتحدث غنوم عن تقبّل العالم للوحة الخط العربي التي قدّمها في شتى بلدان العالم.
في هذا العام لدينا مناسبتان وهما ذكرى ولادة أدهم إسماعيل ومحمود حماد، وهناك اختلاف حول تاريخ ولادة أدهم إسماعيل فبعض المصادر تقول إنه ولد 1922 ومصادر أخرى تفيد بأنه ولد في 1923 وهو ما أكدته عدة مصادر موثوقة، وليست العلاقة قوية ومتينة بين فاتح المدرس وأدهم إسماعيل كما هي بين محمود حماد وأدهم إسماعيل اللذين كانا يرتبطان بصلة صداقة شخصية عميقة، وقد درسا معاً وسافرا إلى إسبانيا معاً لمقارنة النماذج بين الفن العربي والأوروبي ومن ثم عادا إلى درعا وسافر فيما بعد أدهم إسماعيل إلى القاهرة ليكون في وزارة الثقافة المركزية وثم عاد إلى درعا وانطلق برفقة محمود حماد إلى دمشق ليؤسسا كلية الفنون الجميلة وقد أصبح حماد عميداً لهذه الكلية خلال الفترة الذهبية لها وهو صاحب الفضل الأكبر بمتابعة أعمال إنشاء وتنفيذ مخططات هذا البناء الذي نوجد فيه نحن حالياً، وقد توفي أدهم إسماعيل 1963 وكتب عنه صديقه محمود حماد الكثير ورثاه مراراً، وما أردت أن أركز عليه هو أن الاثنين معاً كان لهما تجربة ممتعة متوافقة ومتشابهة نابعة من الصداقة الشخصية، فانطلقا من الحرف العربي أو الخيط العربي بمعنى الزخرفة العربية التي عمل بها أدهم إسماعيل، والخط العربي الذي اعتمده محمود حماد وطوره، ولذلك أطلق على هذه الاحتفالية عنوان الهوية والتجديد وندوة اليوم تتمحور حول الخط العربي، كيف هو موجود كهوية وكتجديد وكيف تم الحفاظ عليه بواسطة فنانين مبدعين وأيضاً التجديد الذي جاء على أيدي فنانين بارعين وهما الفنان الخطاط عدنان شيخ عثمان والدكتور محمد غنوم أحد أبرز أعلام الحروفية في الوطن العربي.
غنوم: لسنا على اختلاف
• لماذا المحاضرة اليوم عن الخط والشريك خطاط أيضاً؟
المفترض أن يتم اليوم تناول موضوعين مختلفين إلى حد ما، وهناك خطاط وهو الأستاذ عدنان شيخ عثمان وهو أحد الخطاطين الذين يلتزمون بالقواعد والقضية التقليدية في الخط العربي وهو متقن لعدد من الخطوط وفي الوقت نفسه تجربتي التي تتناول الخط العربي ولكن توظيفه بشكل معاصر وبما يسمى الحروفية، والمفترض أن الندوة اليوم تتناول الجانب التقليدي والالتزام بالقواعد والأوزان وأن يبقى الخط ضمن هذه القواعد وهذه الأسس والأوزان، والجانب الآخر في تجربتي التي تجاوزت الكثير من هذه الأوزان وطرحت الحرف العربي من خلال تشكيل الكلمات والحروف والجمل وخاصة في عالم جديد هو عالم لوني وفي الوقت نفسه كان الأساس الموسيقي جوهر وأساس في اللوحة التي فيها التشكيل الخطي الحديث.
• أنا أرى أن اختيار المحاضرين ليتكلما عن اتجاهين مختلفين لم يكن موفقاً، لأن عدنان شيخ عثمان هو خطاط ومتمرس وصاحب جوائز ومدرسة في الخط، ومحمد غنوم أيضاً خطاط وأجرى دورات خط ومدرس قواعد، فأنتما تنتميان إلى مدرسة الخط وأصوله.
تجربة الخطاط عدنان شيخ عثمان ليست على اختلاف كبير بتجربتي وقد بقي عثمان منحازاً إلى القواعد والأسس وإلى اللوحة الخطية المعروفة التي تحمل حكماً وأمثالاً وأبيات شعر وأقوالاً مأثورة وما إلى ذلك ولا تتجه كما تتجه تجربتي إلى مسار آخر من مواضيع وعناوين وتشكيلات وخاصة بقضية اللون، وهناك اختلاف في المواضيع والطرح والمعالجة.
• أنتما الاثنان كلاسيكيان ومحبان للخط ولستما متناقضين..
لسنا متناقضين ولكن مختلفين بالتوجه، وأنا لا أخرج عن الخط وأحترم قواعده ولكن أعطيها الفضاء اللوني، وأنا أمد بعض الحروف كثيراً وبعضها اختصرها والبعض الآخر أجتزئ منها مساحة معينة وليست جميعها بنفس المنحى أو القاعدة والموزون الذي يعتمده الخطاط عدنان شيخ عثمان وهو يقدس ويلتزم إلى حد بعيد بالقواعد والأوزان.
سعد القاسم: الخط لوحة وقواعد
• آلا تعتقد أن اختيار عدنان شيخ عثمان ومحمد غنوم لهذه الندوة كان غير موفق؟
الخلاف بينهما أن الأستاذ عدنان بقي محافظاً على الخط كتقليد كما وصل إلينا بجميع شروطه ولكن الدكتور محمد انطلق بهذا الخط بسلامته التشكيلية ليصنع منه لوحة تشكيلية، فهناك أصبحت لدينا حالتان مختلفتان، الخط العربي التراثي والذي سمي فيما بعد الحروفية وهي تجربة أخذت عدة أشكال، وعدنان شيخ عثمان بقي ملتزماً بتقاليد الخطاطين القدماء، الذين لم تتوافر لديهم الحالة اللونية الموجودة لدى محمد غنوم، وهو ما أسهم بشكل عام بتقريب التشكيل إلى الأشخاص العاديين ممن ليس لديهم اطلاع، فالخطاط بشكل عام من الممكن أن يستعين بأقوال مأثورة أو آية قرآنية أو حديث شريف أو حكمة ويكررها عشرات المرات ببناء ضمن لوحة تشكيلية فيها فضاء لوني ومساحات لونية لا توجد أداة في لوحات الخط التقليدي.
شيخ عثمان: رؤية جمالية
• ما الغاية من اجتماع خطاطين حقيقيين أحدهما في الخط والثاني في اللوحة في مثل هذه الندوة؟
أنا أرى محمد غنوم أستاذاً كبيراً وسيد اللعبة اللونية وكما تفضل الأستاذ سعد فهو يوظف كلمة واحدة أحياناً برؤيته الجمالية الجديدة وسار على نهجه كثر في الآونة الأخيرة وهو رائد ومن الأقدمين ولم يخرج عن قواعد الخط وأسسه ولكن ما أختلف به عنه هو عملي في الفضاء اللوني وأنا منضبط أكاديمياً وهو لديه رؤيته الجمالية الخاصة فيهتم باللون أكثر من الخط وأنا أهتم بالاثنين معاً.
رسم الخط
تحدث الخطاط عدنان شيخ عثمان عن علاقته بالخط، فتحدث عن تعلقه الكبير بالخط من خلال اللوحات الطرقية، والتي تغصّ بها الجدران الأثرية والمساجد والمقامات والطرقات: عشقت الخط رسماً قبل أن أمارسه خطاً والخط كما هو معلوم أحد أنواع الرسم فكلمة الرسم أشمل من الخط وأنا كنت أقدم تلك العناوين بقلم رصاص واحد مفرغ، وهذا أصعب بكثير من أي نوع آخر، أن ترسمه بعينك وبقلبك وتنحته بكل عواطفك وهذا ساعدني جداً أن أدخل غمار هذا الفن في مرحلة مبكرة، ولم يكن لدي أستاذ مباشر وهذه النقطة يجدر الإشارة إليها فكل الراحلين رحمهم الله تعالى أساتذتي وأنا أساتذتي كثر ولكنني لم ألتق بأي واحد منهم.
المنطلق نفسه
كنت أتحدث قبل قليل مع أحدهم في نقطة مهمة أثارها وأوضح لي أن ما أنطلق منه أنا وأخي الأستاذ عدنان شيخ عثمان هو المنطلق نفسه ونحن نكتب بخط قاعدي معتمدين على الأوزان والمقاييس وهناك إن صح التعبير على أن المنطلق واحد وكلانا خطاط نعتمد القواعد والأسس والموازين بشكل أو بآخر، وأقول هنا باختصار إن تجربتي تبنى فعلاً على هذه القواعد وأنا أقمت المعرض الأول في 1979 في نيسان وفيه اللوحات الخطية وأنا أستخدم التشكيل في الخط العربي ولا أحب مصطلح الحروفية إطلاقاً لأنه مصطلح قاصر بكل ما للكلمة من معنى.