قضايا وآراء

المقاومة وإدارة الحرب الإعلامية والنفسية

| محمد نادر العمري

كان بارزاً منذ الساعات الأولى لبدء عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي، عدم اقتصار الفعل المقاوم لحركة الفصائل الفلسطينية من خلال الآلة العسكرية والمناورات التكتيكية، بل إن هذا الفعل المقاوم تطلب مساراً إعلامياً ساهم بشكل أو آخر في إدارة الحرب النفسية ضد مؤسسات الكيان ونسيجه الاستيطاني، ولإظهار الحقائق وتبيانها للمجتمع الدولي والرأي العام الذي يتضمنه، فضلاً عن زيادة التعبئة الشعبية المؤيدة للفصائل الفلسطينية المقاومة.

وبعيداً عن أي كلام عاطفي تجاه الفعل المقاوم للفصائل الفلسطينية، فإن ما حصل منذ الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى يؤكد تمكن هذه الحركات من كسب مصداقية لما تروج له من تطورات على مختلف المستويات من خلال اختيار التوقيت في تدفق المعلومات ومقاطع الفيديو لمختلف عملياتها داخل الأراضي المحتلة أو داخل قطاع غزة، بما أثر في إدخال قادة الكيان على المستويين السياسي والعسكري، دائرة الإرباك، ولعل خير الأدلة على ذلك تمثل في شاهدين: الأول ظهور متلاحق لكل من قائد أركان كتائب القسام محمد الضيف للإعلان عن بدء العملية وأدواتها وما تضمنته من وسائل هجومية وقدرات عسكرية مستخدمة، ومن ثم الناطق باسم القسام أبو عبيدة، لشرح تفاصيل أكثر دقة عن العملية مع تحديد الأهداف المنشودة إلى جانب النتائج المحققة من انتشار لعناصر المقاومة داخل الأراضي المحتلة وقدرتها على أسر صهاينة ونقلهم إلى داخل القطاع، أما الشاهد الثاني فتجلى في قدرة الإعلام الحربي للمقاومة على نشر نحو 50 منشوراً مصوراً خلال الساعات الأولى لما بعد عملية طوفان الأقصى على وسائل التواصل الاجتماعي ولاسيما برنامج «تلغرام» للتأكيد على ما صرح به كل من الضيف وأبو عبيدة في ظل إرباك شبه كامل لوسائل الإعلام الإسرائيلية نتيجة غياب أي ظهور لمسؤولي الكيان السياسيين والعسكريين، إذ كانت عقلية المقاومة تركز من خلال خطابها الإعلامي والفيديوهات التي نشرتها على تحقيق أهداف عدة بما فيها تلك ذات الأبعاد النفسية المستهدفة لبنية المجتمع الإسرائيلي، والمتمثلة في:

أولاً- تعميق ظاهرة الانقسام المتنامي على مستوى الداخل الإسرائيلي والتشكيك في القدرات الأمنية والعسكرية والسياسية لهذا الكيان وذلك عبر إغراق وسائل الإعلام بالتطورات الحاصلة في ظل غياب دور الإعلام الإسرائيلي.

ثانياً- التقصّد في إبراز حالة وضعية هذا الكيان بصورته الحقيقية من جيش ضعيف وحكومة غير متمسكة ومجتمع منقسم ومستوطنين فاقدين للعقيدة والانتماء.

ثالثاً- تعرية حقيقة ومصالح رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة ومساعيهم لتحقيق مصالحهم الشخصية وإعلائهم لها على مصالح هذا الكيان.

رابعاً- استهداف نظرية الأمن الإسرائيلية بهدف زرع الخوف داخل الكيان وفي إطار السعي لتكريس قواعد اشتباك جديدة لن يكون تحديد معالمها سهلاً.

خامساً- التأكيد على قدرات المقاومة رغم الحصار الذي تعاني منه وإظهار التفاف البيئة الشعبية حولها إلى جانب التأكيد على مسار المقاومة لاستعادة الحقوق.

وما يؤكد نجاح حركات المقاومة في تحقيق هذه الأهداف، يمكن استشراف ذلك من خلال ما نشرته صحيفة «هآرتس» التي أكدت «أن إسرائيل قد خسرت حرب الصورة في الساعات الأولى لطوفان الأقصى، وما حصل بعد يومين من العملية كان مجرد محاولة لاستدراك الهزيمة وإعادة بناء ما تهشم في النفسية والمخيلة الجمعية للمجتمع الإسرائيلي ومحاولة استحضار الصورة النمطية القديمة للجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات المتفوقة على الجميع».

ومن أبرز الأمثلة التي أدت بها الحرب النفسية دوراً في إدارة الصراع من المقاومة لكسب نتائج عسكرية يمكن سرد ذلك وفق الآتي:

1- حاولت كل من إدارتي الكيان المغتصب والبيت الأبيض من استثمار عملية طوفان الأقصى لتعبئة الرأي العام الدولي ضد المقاومة وتشويه صورتها وتجريم أدائها، ولاسيما من خلال «تدعيش» هذه الفصائل واتهامها بقطع الرؤوس واتباع ممارسات مهينة وغير إنسانية وغير ذلك بهدف تبرير عدوانها على قطاع غزة، إلا أن عدم قدرة كل من هاتين الإدارتين على تقديم أدلة ملموسة مقابل نشر المقاومة مقاطع فيديو تظهر كيفية تعامل عناصرها مع المستوطنين داخل غلاف غزة أدى إلى إسقاط هذه المحاولة.

2- كسبت المقاومة معركة استجلاب تعاطف الرأي العام العالمي من خلال قدرتها على نشر فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن المجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال وحجم الدمار المتسع وغيرها من الأدلة الدامغة على فاشية هذا الكيان وداعميه، ما ساهم في اتساع حجم التظاهرات الدولية الرافضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة حتى في الدول والعواصم التي جرمت خروج هذه التظاهرات، إلى جانب عزوف نسب كبيرة عن متابعة وسائل الإعلام الكبيرة ولجوئهم لوسائل التواصل الاجتماعي لتلقف المعلومات الواقعية.

3- تمكنت المقاومة من كسب متابعة الداخل الإسرائيلي والتأثير فيه من خلال مصداقية ما تنشره من معلومات وحقائق وبيانات أدت في مرحلة معينة إلى تأليب هذا الداخل ضد حكومة نتنياهو وخاصة فيما يتعلق بملف الأسرى قبيل وأثناء وبعد عمليات التبادل في مرحلة التهدئة المؤقتة.

4- كشف زيف الادعاءات الإسرائيلية بتحقيق إنجازات عسكرية، ولاسيما من خلال استمرار الإعلام الحربي في نشر مقاطع فيديو لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه المستوطنات على الرغم من انتشار الطائرات الإسرائيلية في سماء غزة، وإبراز الخسائر المادية والبشرية لقوات الاحتلال من خلال الصور والمقاطع المرئية المنشورة بعد بدء العدوان البري، وهو ما أدى إلى تزايد الأصوات الداعية داخل الكيان والمطالبة بوقف العدوان واللجوء إلى خيار سياسي والدعوة لعقد انتخابات مبكرة لإسقاط نتنياهو وحكومته.

آخر تأكيدات تفوق المقاومة في إدارة الحرب الإعلامية والنفسية يمكن استدلاله من خلال ما نشرته «القناة 12» الإسرائيلية المتضمن تحليلاً أجرته شركة «ميغ أي آي» الأميركية التي كشفت من خلاله عما سمي «الصورة القاتمة» الناجمة عن الأغلبية المطلقة للمنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي والمقالات في وسائل الإعلام الدولية الكبرى التي باتت ضد إسرائيل، حيث أضحت قدرة المقاومة على نشر الوقائع والمعطيات رغم قطع الإنترنت والاتصالات داخل القطاع سبباً في بلوغ ما نسبته 83 بالمئة من المنشورات على الإنترنت المتعلقة بتطورات العدوان على غزة ضد إسرائيل و9 بالمئة فقط لمصلحتها وفق هذا التقرير، واللافت أيضاً ضمن ما أورده التقرير هو التحول الذي شهدته المواقع الإخبارية الكبرى التي باتت تشهد مقابل كل تقرير إيجابي تجاه إسرائيل ثلاثة تقارير تقدمها إسرائيل بشكل سلبي.

مع بلوغ عملية طوفان الأقصى الشهرين ونصف الشهر، يمكن القول إن المقاومة كسبت معركة الصورة والكلمة والإعلام، فالصورة نقلت الحقيقة والكلمة عبرت عن موقف صلب لا تنازل عنه، والإعلام لم يعد حكراً على وسائل إعلام تخدم سياسات الدول الكبرى وإستراتيجياتها الاستعمارية. فالصراع يتطلب توظيف كل وسائل المواجهة بما فيها الإعلام والحرب النفسية.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن