من دفتر الوطن

الحل أكيد من ليبيا

| وضاح عبد ربه

اقترح عليّ صديق في عام 2017 أن أشارك في سحب تقوم فيه المؤسسة العامة للإسكان من أجل الحصول على منزل في ضاحية الفيحاء قرب دمشق.. وعلى الرغم من قناعتي ومعرفتي بأنه لا مستقبل لمثل هذه المشاريع، ولا للجمعيات، وأنا لم أسجل يوماً بأي جمعية، إلا أن الصديق أكد لي آنذاك، أن المشروع جدي للغاية، وخلال ثلاث سنوات كحدٍ أقصى تستلم المنزل، وأضاف: «هي مو جمعيات متل يلي بتسمع عنها.. لك هي الدولة بتعرف شو يعني الدولة؟؟».. وسهّل الأمر أكثر فأكثر وقال: وكل ما هو مطلوب منك تسديد رسم الاشتراك في السحب، وفي حال كنت من أصحاب النصيب تسدد مبلغاً إضافياً، ومن ثم تكون الأقساط مريحة حتى تتسلم الشقة.

أذكر جيداً أن قيمة الدولار الواحد كانت تساوي ٥٠٠ ليرة سورية عام ٢٠١٧ وأقل قليلاً، والمبلغ المطلوب تسديده في حال اكتملت كل الإجراءات كان يعادل خمسة آلاف دولار، وقلت لنفسي: «جرب حظك بركي كانت القصة جد هالمرة.. عالقليل بتكون أمنت بيت لولد من الأولاد»..

وبالفعل توكلت على رب العالمين وسددت قيمة الاشتراك، والحمد لله فزت بالسحب، وسددت ما تبقى وتلقيت «اتصالات حسودة» من بعض الأقرباء والأصدقاء، وكنت على قناعة تامة بأنه ما حصل هو توفيق من الله عز وجل فحمدته كثيراً وشكرته.. ومنذ ذاك اليوم وكل شهر، أي منذ ١/١ عام ٢٠١٨ وأنا أسدد القسط الشهري منتظراً استلام هذه الشقة التي على الأغلب لن أراها ولا أعرف إن كانت تورث للأحفاد، وإن كانوا بدورهم سيرونها أم لا.

ولمن يسأل من القراء، أقول: بما أني صحفي، اللهم لا حسد، لم أسكت بتاتاً.. وكنت باستمرار أمارس صلاحياتي ونفوذي (يخزي العين) وأسأل عن مصير هذه الشقة، لا بل ألاحق الأعمال البيتونية المنفذة، حتى بلغني أنه بالفعل أصبح عدد من الأبنية جاهزة على الهيكل.. وبعد أناشيد «التكبير» بيني وبين حالي طبعاً، بدأت أحسب كم سأحتاج من المال لإكساء هذه الشقة الصغيرة المتواضعة في ضاحية دمشق والتي سأستلمها «نصف إكساء».. تواصلت مع المعنيين بالأمر، فكان الجواب: «لسا بكير أستاذ، طوّل بالك ليصير الفرز والتخصيص بعدين منحكي بالإكساء»..

وبالفعل، راجعت نفسي وقلت إنه ربما يجب عدم استعجال الأمر والانتظار يعني بسعر غيري.. وانتظرت وانتظرت وانتظرت.. وتابعت الأخبار كلها وتواصلت مع المعنيين في المؤسسة وفي الوزارة، وفي كل مرة كان هناك حجة، وأجمل ما سمعته من حجج كان: «والله وزارة الكهربا رفضت أن تزود المشروع بالطاقة نظراً للصعوبات الناتجة عن الحرب!!!»..

«أنا (وأعوذ بالله من كلمة أنا): أيوا .. ليه وزارة الكهرباء ما كان عندها علم بوجود ضاحية طويلة عريضة بدها تطلع قرب دمشق وتحتاج إلى كهرباء؟… ضاحية هي مو كم بناء يعني!!»

هم: لا، الوزارة تعرف طبعاً، فكل شي مخطط مسبقاً، لكن ظروف الحرب!!

أنا: ليش الحرب بلشت ٢٠١٧؟ طيب والشقة؟

هم: أنتظر العام القادم لا بد من إيجاد حل..

انتظرت عاماً بعد عام وأنا أسدد القسط الشهري كي لا يؤخذ عليّ يوماً أني تخلفت لا سمح الله، واستمريت بالسؤال على مستوى وزراء ومديرين عامين، وأجمل ما تلقيته من جواب كان: بتعرف انه فيك تبيع الدفتر يلي معك بسعر مغري جداً وفي طلب كتير عليه!!.. يا أخي أنا ما بدي بيع.. بعدين يلي دفعتهم ب ٢٠١٧ و٢٠١٨ كانت قيمتهم أعلى من كل المال يلي عمتغروني فيه..

قال: لكن انتظر وانشا الله خير..

آخر مرة سألت عن المشروع، قيل لي: لا جديد!! وكل شي دفعتوه ضيف عليهم الأقساط الشهرية والسنوية ما عاد بتكسي بلاطة اليوم!!

أنا: شو دخلني إذا وزارة الكهربا ولا وزارة ما بعرف شو عرقلت؟؟ طيب اطلبوا دفعة بركي مندبر أمورنا ومنحصل عالشقة؟؟

هم: بدها مهندس شاطر يقيّم.. وما في للأسف..

أنا: أي وبعدين؟

هم: إلا ما تنحل بس بدكم تدفعوا دفعات كتير كبيرة وإلا بتكون المؤسسة خاسرة بالمشروع..

أنا: طيب البناء موجود عالهيكل يعني نص التكلفة راح..

هم: ههههههه.. قول انشا الله

وها أنا أدخل عام ٢٠٢٤ منتظراً مشاريع الدولة السكنية!! بل أصبحت ألاحق أيضاً أخبار الصديق سهيل عبد اللطيف وزير الإسكان ومدير عام المؤسسة الذي لا أعرفه، وسررت جداً حين علمت أن السيد الوزير في زيارة رسمية إلى ليبيا لحضور «الدورة الأربعين لمجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب، والمنتدى الوزاري العربي الخامس للاسكان والتنمية الحضرية المستدامة» وقلت لنفسي: أكيد ما حتنحل غير من ليبيا!!

قلتولي تنمية حضرية ومستدامة!!!

لك يا محلا الجمعيات في منها سلمت وخلصت..

لعن الله هديك الساعة..

ولكل من حسدني على هذه الشقة عام ٢٠١٧: خود راحتك وشمات لا تستحي لأنه ما عاد حدا استحى..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن