حفنة من تراب الوطن إلى بلاد المهجر … الكثير من العبر والآلام والآمال الممزوجة بقالب كوميدي ساخر
| مصعب أيوب
مجموعة قصص قصيرة صدرت مؤخراً تحت عنوان (تراب الوطن) للكاتب أيمن أبو الشعر صادرة عن مؤسسة (ميتاڤيرس) للطباعة والنشر، يقارب عددها الخمسين قصة تنوعت بين الحب والحرب والألم والأمل ومعاناة المهاجرين والفقر الشديد.
عهد الملح
أشار الكاتب في قصة «الملح أغلى من الذهب» التي كتبها حول قصة حقيقية عاش تفاصيلها إلى ضرورة صون عهد الملح، حينما استوقفه مشهد في أحد المتاجر لأم تشرح لابنها أهمية الملح في إشارة منها إلى أنه أغلى من السكر، وراحت تخبره أنهم كانوا يستخدمونه قديماً للتبادل التجاري بدلاً من العملة، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك أن شيئاً ما إذا كان رخيصاً غير ذي قيمة يوصف بأنه لا يساوي ملحة.
واقع مرير
تطرق الكتاب إلى تردي الواقع الاقتصادي في عدد من قصصه ومنها «هل في السماء حظيرة خراف؟» التي تتمحور بجلها حول رجل تراجعت أموره المادية ويعيش مع زوجته وابن لهما وحيد في حالة معيشية سيئة بعض الشيء، فهم لا يأكلون سوى وجبة طعام واحدة في اليوم، إضافة إلى ما عرضه في قصة «في بلاد الواق واق البعيدة» التي تتمحور حول شاب يضيق ذرعاً بالواقع الاقتصادي المرير ويحاول أن يشتكي من هذا الانزعاج ليجد والده يقف له في الدرب ويمنعه من أن يتفوه بأي كلام ربما يعود عليه بضرر كبير من منطلق أن «للحيطان آذاناً».
وقد أشار أبو الشعر في قصته «لتدفئة السرير ليس إلا» إلى الفقر المدقع الذي أصاب رجلاً ستينياً وصور لنا عدم مقدرته على شراء محروقات التدفئة، ولاسيما في ظل الحصار والأزمة الأخيرة والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي الذي أدى بالتالي إلى صعوبة تأمين المستلزمات اليومية وأبسط الحاجات الأولية، فقد حال به الحال أن طلب من المرأة التي تأتي لتساعد زوجته في تنظيف المنزل الاستلقاء قليلاً في فراشه من أجل تدفئته بعيداً عن أي نيات خبيثة أخرى، وعندما تأكدت المرأة من براءة طلبه توافقه الأمر وتشاركه السرير ولكن لسوء حظه تعود زوجته إلى المنزل بعد أن غادرته لتجده في موضع لا يحسد عليه ولا يمكن تبريره.
تراب الوطن
في قصة تراب الوطن التي اختارها الكاتب عنواناً لكتابه يتطرق إلى ظاهرة الهجرة الأخيرة التي عاشها السوريون من مختلف الأعمار إلى أوروبا في سعيهم المتواصل للتشبث بالحياة ومقاومة كل الظروف التي تعيق وجودهم.
وقد صور لنا أن كثيرين منهم اصطحبوا أكياساً فيها بعض الحفنات من تراب وطنهم مبيناً أنهم رغم ما عانوه في أثناء سفرهم وهجرتهم وبرغم صعوبة الرحلة إلا أنهم لم يتخلوا عن تلك الأكياس واحتفظوا بها حتى مكان استقرارهم، وقد استخدمه البعض في زراعة بعض الورود في بلد الاغتراب لتكون صديقتهم وفيها رائحة بلدهم وذكرياتهم وتعبر عن عشقهم للوطن الذي اضطروا لمغادرته.
وقد أشار أيضاً إلى جشع مهربي الأشخاص عبر الحدود بالطرق غير الشرعية مؤكداً أن همهم الوحيد هي النقود وجني الأموال دون الاكتراث إلى أرواح البشر أو ما تعنيه لهم ممتلكاتهم، كما لم ينس الإشارة إلى التعنيف والتعذيب اللذين تعرضوا لهما من رجال الأمن والشرطة على الحدود بين الدول والبلدان في ظل هجرتهم غير الشرعية.
بحر من المعاني
أشار أبو الشعر إلى عظم شأن اللغة العربية وتعدد معانيها ومفرداتها التي ليس من السهل فهمها جميعها وتدبر معانيها وقد أشار إلى قدرتها على إيصال رسائل مبطنة وكلمات لاذعة بطريقة غير مباشرة ويمكننا ملاحظة ذلك في قصة «معركة باللغة العربية تترجم بالأيدي»، فقد دارت معركة حامية الوطيس في البرلمان بين وزير العدل في إحدى الدول العربية وإحدى الأعضاء التي تمتلك لساناً سليطاً، بحيث استخدمت براعتها في اللغة العربية في التحدث إلى الوزير ولم يكن الوزير أقل منها فصاحة، فرد عليها بمكر وخبث وقال: أعترف أنني سمعت اليوم كلاماً حرياً به الذهب «من منطلق إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب» من نائبة حقيقية «ويعني بها الكارثة» وما قالته يثبت أنها مصيبة حقاً «ولم يقصد بها الصواب بل قصد أنها كارثة ووجه شر» وأنا أقترح تعيينها مكان القاضي الذي توفي «ويقصد هنا أنها ستقضي على الناس وليس بينهم» وها هي أمامكم يجللها الوقار والواو حرف عطف كما تعرفون ويقصد هنا القار بعد حذف حرف الواو من الكلمة وهو مادة لزجة سوداء اللون ذات رائحة كريهة.
إهداءات واستنتاجات
وقد أهدى الكاتب بعضاً من قصصه إلى عدد من الأصدقاء والمقربين وأشار إلى ذلك في بداية كل قصة بعد العنوان مباشرةً وهو ما يمكننا ملاحظته «عالمان، القمر العملاق، ديك الحر يعاود الصياح، لماذا اختفى بائع الكستناء1973» وغيرها من القصص.
وفي الختام يمكننا أن نخلص إلى ما رمى إليه أبو الشعر في مجموعة قصصه هذه، حيث إنه غاص في أعماق النفس البشرية، متطرقاً إلى الحب الذي يصل حد الوله في بعض الأحيان وكذلك إلى تبعات وآثار الضائقة الاقتصادية الأخيرة وما خلفته الحرب على الوطن من خلال تسليط الضوء على بعض مشكلات وهموم فئة كبيرة من الناس ومعاناتهم الاجتماعية والمادية، فلم تخل القصص من بعض المواقف الطريفة التي تدفعك للضحك، ولكن سرعان ما تكتشف أنه تعمد ذلك الإضحاك، فلا تدري أهو يرنو لإضحاكنا أم إنه يتعمد أن يفتح أعيننا على الآلام والمعاناة؟.