من دفتر الوطن

قارئة الفنجان

| عصام داري

جلست والخوف بعينيها.. تتـأمـل فنجـاني الـمقلوب، هكذا يبدأ نزار قباني قصيدته الشهيرة «قارئة الفنجان» التي تحولت إلى أغنية لحنها محمد الموجي وغناها عبد الحليم حافظ.

قراءة الفنجان عادة متأصلة في مجتمعنا الشرقي، وخاصة في جلسات النساء، فبعد احتساء القهوة تقلب النسوة فناجينهن لتتبرع واحدة منهن أو أكثر في النظر بتمعن إلى الفنجان ثم تتدفق الكلمات والتوقعات مع كلمة «والله أعلم».

لكن القضية أكبر من قراءة الفنجان، فالبشر منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا يتوقون إلى معرفة المستقبل وما قد يحمله من أخبار سارة فيما يتعلق بالمال والزواج والعيال وغير ذلك.

تنوع التنجيم عبر الزمن، فمن قراءة الكف ضرب الودع والضرب في الرمل وطبعاً معرفة أحوال الفلك والأبراج.

ويمكننا القول: إن أواخر كل سنة وبداية سنة جديدة هي موسم المنجمين والمنجمات، وكذب المنجمون وإن صدقوا.

أيام قليلة وتنتهي سنة لتبدأ سنة جديدة، وهذا هو الوقت الذي يمكننا أن نطلق عليه موسم تجار الأبراج والتوقعات، سيتابع المشاهدون المنجمين وضاربي الودع «وهات» على توقعات منها الخاص ومنها العام، على مستوى منطقتنا وعلى مستوى العالم.

يقول أحدهم: إن العالم العربي سيشهد في النصف الثاني من السنة حدثاً كبيراً، وإن أحد القادة العرب سيتعرض لوعكة صحية، فهل معجزة أن يتنبأ أحدهم أن زعيماً عربياً سيصاب بوعكة، قد تكون نزلة برد، أو بالإمساك أو الإسهال؟ وهل يعقل ألا يحدث في عالمنا العربي صاحب التقلبات والحركات الغريبة شيئاً لافتاً خلال النصف الثاني من السنة؟

وتخبرنا منجمة أخرى أن العالم سيشهد خلال السنة الجديدة سلسلة من الظواهر الطبيعية المدمرة، فأين العبقرية في ذلك؟ فالبراكين والزلازل والفيضانات والأعاصير لا تتوقف على مدار العام، لكن المنجم سيحاول إقناعنا بأن تنبؤاته كانت صحيحة، وهذا يضمن له حضوراً في محطات التلفزيونات بشكل دوري، وفي سهرات رأس السنة بشكل خاص.

شخصياً لا أؤمن بما يقوله المنجمون وخاصة المنجمات الحسناوات، ولي تجربة منذ سنوات طويلة خلت مع إحداهن، يومها قالت إنها ستقرأ لي مستقبلي القريب وليس البعيد على كل حال، مما قالته وراهنت عليه بشدة أن شهر آذار القادم-هذا منذ سنوات- ستفرج وتتحسن أحوالك المادية والمعنوية والاجتماعية.

صدقاً أقول لكم: شهر آذار كان كارثياً علي في كل المجالات، فقد اختلفت مع زوجتي وكاد يقع بيننا الطلاق، أما مادياً فقد اضطررت لاستدانة مبلغ كبير لدفع مستحقات متراكمة، وفي آذار فقدت وظيفة كنت أحلم بها، وعندما اجتمعت بالمنجمة الحسناء وأخبرتها بكل ما جرى قالت بكل وقاحة: أنت كاذب!.

الغريب أن ساسة كباراً على مستوى العالم يؤمنون بالتنجيم والأبراج، ويستشيرون العرافات في قرارات حاسمة، وبإمكانكم البحث عن هؤلاء في غوغل أو أي محرك بحث، ومنهم أمير صار ملكاً!.

ومن المؤسف أن الكثير من المحيطين بي من أقارب وأصدقاء عندهم هوس التنجيم، ويبدو أنني مسايرة لهم سأطلب من أي قارئة فنجان أن تقرأ فنجاني وتخبرني ما ينتظرني في الحب والمال والعيال، والعيال كبرت!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن