في 27 تشرين الثاني الماضي نشرت مجلة «غلوبس» الإسرائيلية تحليلاً تتساءل فيه حول «الساعة التي ستتوقف فيها الحرب في قطاع غزة»، ويرى المحلل الإسرائيلي ديفيد برودت، وهو إحدى الشخصيات السياسية الإسرائيلية ومدير سابق لوزارة مالية الكيان أن «هناك خمسة عوامل ضغط وتأثير رئيسة تحدد ساعة انتهاء الحرب: الأول هو حجم الضغوط العسكرية التي تستمر في فرضها المقاومة على إسرائيل في القطاع، والثاني هو حجم الضغط الأميركي والدولي الناجم عن مقتل المدنيين في قطاع غزة وتدمير بيوتهم، والثالث هو حجم الضرر الذي يصيب المنظومة الاقتصادية الاجتماعية الإسرائيلية، والرابع هو مدى تفاقم الأزمة بين أحزاب الائتلاف الحاكمة، والخامس حجم الضغط الذي تمارسه عائلات الجنود والمستوطنين الأسرى الموجودين عند الفلسطينيين».
ولا شك أن الكيان وجيشه ما زالا يواجهان حتى الآن كل هذه العوامل الضاغطة ولم يتمكنا من تخفيض الأضرار والخسائر المستمرة الناجمة عنها، ومن دون أن يسجل الجيش قدرة حاسمة على ضمان أمنه في داخل القطاع أو في المستوطنات بل من دون إغلاق أي عامل من هذه الاستحقاقات الخمسة التي ما تزال تفرض وجودها وتأثيرها في ساحة العجز الإسرائيلي عن حسمها بعد ثمانين يوماً من مجريات هذه الحرب، وبعد شهر من تحليل الصحيفة الإسرائيلية لتحديد ساعة انتهائها.
ويبين برودت أن العامل العسكري هو الذي يحدد مدى تقدم قدراته على إنهاء كل القدرات العسكرية التي تشكلها حماس وبقية المنظمات الفلسطينية لإنهاء سيطرتها واستعادة الأسرى الإسرائيليين، وأن حجم التأييد الأميركي والدولي لما يقوم به الجيش الإسرائيلي هو الذي يمنح إسرائيل شرعية الاستمرار بالحرب، في حين يتوقف تأثير عامل الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الإسرائيلية على مدى تحمل الجمهور على دفع نفقات 360 ألفاً من جنود الاحتياط الذين استدعاهم الجيش للمشاركة بالحرب، فكلما طالت خدمتهم كل تدهور الاقتصاد، يضاف إليه الضغوط المتصاعدة التي تقودها عائلات الأسرى الإسرائيليين والخوف على مقتل أبنائهم، وهو ما جرى حتى الآن بعد مقتل عشرات الأسرى من جنود ومستوطنين على أيدي وحدات إسرائيلية داخل ساحة عمليات القطاع.
يعترف برودت بأن إطالة الحرب بهذا الشكل حتى الآن لا تعمل في مصلحة استمرارها بسبب الضغوط التي واجهتها القوات الإسرائيلية من المقاومة فجعلت الضغوط الأخرى الدولية والداخلية الحزبية تتزايد وتشكل بدورها حجماً قد لا تتحمله إسرائيل، وهذه المعادلة الواضحة بين صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته تثبت أنه رغم تضحياته غير المسبوقة في مواجهة العدوان، حقق بعد ثمانين يوماً من الحرب الوحشية الإسرائيلية قدرة متواصلة في تعميق أزمة الكيان العسكرية والاقتصادية والدولية بحيث أصبح الكيان أمام احتمالات مؤكدة بسقوط حكومة بنيامين نتنياهو بعد تزايد الانتقادات العلنية لها ولما تسببت به من أضرار لم تتوقف مضاعفاتها على معنويات جيش الاحتلال وتسرب اليأس إلى نسبة كبيرة من قوات الاحتياط الذين جرى استدعاؤهم في أشرس مجابهة فرضتها المقاومة عليهم وكبدتهم خسائر بشرية فادحة جعلتهم يرون بأعينهم كيف يقتل جنود إسرائيليون على أيديهم، فهذه النتيجة لم تكن مسبوقة في سجل الجيش وبمثل هذا العدد، وهي تحمل تأثيرات تزعزع جبهة الكيان الداخلية وتزعزع الثقة بين عائلات الجنود الأسرى المقتولين وقيادة الجيش، وتخلق أزمة داخل الجيش نفسه وخاصة بعد أن توفرت فرصة لإجراء عملية تبادل أخرى بين الكيان والمقاومة، بعد العملية الأولى التي رآها الجميع حين أعادت حماس عشرات الأسرى الإسرائيليين مقابل تحرير الأسرى النساء والأطفال الفلسطينيين من سجون الاحتلال، ولذلك بدأ ممثلون عن عائلات بقية الأسرى يعدون شكوى قضائية يتهمون فيها نتنياهو وإيتامار بن غافير بالتسبب بقتل أبنائهم لأنهما رفضا الاستمرار في عمليات التبادل بل زاد القهر والغضب عند هذه العائلات من حكومة نتنياهو حين رأت أن أبناءهم الأسرى لدى حماس يقتلون على يد جنود الجيش وكان من الممكن إنقاذهم بعمليات التبادل، وبالتالي لا بد لاستحقاقات ما بعد انتهاء هذه الحرب ونتائجها في المجالات الأربعة التي يتحدث عنها المقال أن تلاحق ضباطا وقادة عسكريين وسياسيين يقول برودت: إن «عددا منهم أعلنوا أنهم سوف يستقيلون من مناصبهم وهم يعرفون أن موعد البدء باستقالتهم وخوفهم من لجنة تحقيق ستؤثر في الحكومة ورئيسها وعلى الساحة الحزبية والسياسية الداخلية وفي تحديد موعد مبكر للانتخابات، فخطر ما بعد انتهاء الحرب يخيم على المنظومة السياسية»، ولذلك ثمة من يرى مصلحة في سرعة انتهائها ومن يرى أن إطالتها تتيح له البقاء أكثر وقت بانتظار استحقاقها النهائي على كل الوضع الإسرائيلي.