الأولى

حذارِ «طائف» سوري

| بيروت – محمد عبيد

منذ اليوم الأول لافتعال الأزمة في سورية وتحديداً في حمص – المحافظة الوسطى والمترامية الأطراف بالتماس مع المحافظات السورية الأخرى والسعي للسيطرة عليها كاملة مع امتداداتها عبر الحدود اللبنانية في منطقة عكار وصولاً إلى المنفذ البحري في ميناء طرابلس الذي شهد رسواً لبواخر سلاح آخرها كانت «لطف الله» تلك التي ضبطتها مخابرات الجيش اللبناني، كان الهدف الأساس شطر سورية إلى نصفين ولاحقاً تكريس تقسيمها جغرافياً إلى كانتونات مذهبية وطائفية متعددة إضافة إلى ما يمكن أن يستتبع هذا التقسيم من تقسيم أيضاً للبنان والعراق والأردن وفق هذا التوصيف.
من هنا، كانت معركة تحرير بلدة القصير ومحيطها وصولاً إلى مدينة حمص وأجزاء أخرى من ريفها مفصلية لمنع هذا المخطط وعزل الحدود اللبنانية – السورية وصولاً إلى الساحل السوري مروراً بمنطقتي تلكلخ والحصن، والأهم إعادة فتح وتأمين الطريق الدولية بين اللاذقية ودمشق وأيضاً بين تلك المحافظات التي كانت ومازالت تخضع لسلطة الدولة الشرعية وبين عمقها المقاوم في لبنان. وقد عزز هذا التحرير وكرس مفاعيله الوحدوية النزوح الداخلي لمئات الآلاف من الشرائح المختلفة المكوِنة للمجتمع السوري إلى مناطق الساحل وجبالها باعتبارها الأكثر أماناً آنذاك إضافة إلى قدرة تلك المنطقة على استيعاب يد عاملة فقدت الرزق والعيش الكريم، ما عقّد أكثر إمكانية تحقيق ذلك الهدف بل قضى عليه نهائياً.
الكثير من أجهزة الاستخبارات الدولية والإقليمية وتباعاً مؤسسات الإعلام اعتبرت أن هذه المعركة فرضت تحولاً جذرياً في مسار الحرب في سورية وعليها، فانتقلت إلى خطة بديلة تقضي بالسعي إلى إنجاز مشروع التقسيم المذكور من خلال صيغة دستورية جديدة شبيهة باتفاق «الطائف» اللبناني تعيد صياغة النظام السياسي في سورية وفق آلية طائفية تختزن في بواطنها بذور الصراع الدائم وعدم الاستقرار.
كان الرئيس التركي أردوغان سباقاً في التبشير بإمكانية تحقيق هذا الهدف وقد عبر عن ذلك أكثر من مرة خصوصاً مع مشاركة حزب اللـه وإيران إلى جانب الدولة السورية في تلك المعركة، ولم يتراجع عن طرحه هذا رغم المشاركة الروسية والتموضع عسكرياً ولوجستياً بشكل كبير جداً في منطقة الساحل ومحافظات أخرى. وتبعه بهذا الطرح وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد في لقاء فيينا الأخير، إلا أن الأخطر كان ومازال يتمثل في مسعى النظام السعودي لتثبيت ميليشيات معارضة مسلحة -وفق توصيفه بعد مشاركتها في ما سمي لقاء الرياض- كأحرار الشام وجيش الفتح على طاولة «جنيف3» تيمناً بالتجربة اللبنانية التي وزعت مواقع السلطة ومغانمها بين قادة بعض القوى والميلشيات المسلحة وبين ما تبقى آنذاك من الدولة اللبنانية ورموزها بسبب الحرب الأهلية.
يعتقد النظام السعودي وحلفاؤه أن اقتصار ما يسمى وفد المعارضة على شخصيات وحيثيات سياسية لا يوفر التوازن المطلوب لمشاركة فعلية في صياغة الحل المفترض، لأنه ثبت أن بنية الدولة المركزية بقيت متماسكة رغم كل محاولات شرذمتها، والجيش العربي السوري نجح في الحفاظ على عقيدته الوطنية والقومية كأرضية لتعاضد ضباطه وأفراده في مواجهة جرهم إلى انشقاقات ظلت فردية ووهمية، إضافة إلى قدرة الأجهزة الأمنية والاستخبارية المختلفة في حفظ الأمن والاستقرار. وبالتالي فإن أي مجموعة سياسية مُعارضة وطنية النيات والسلوك ستكون إضافة مميزة لتكريس التنوع السياسي والحزبي في مؤسسات الدولة والمجتمع، أو أنها ستذوب في هذه الماكينة السهلة الممتنعة التي رسم مفاصلها الرئيس الراحل حافظ الأسد وأعاد تمتينها الرئيس الدكتور بشار الأسد في حال كانت أداة لأجندات خارجية تسعى لتدمير سورية سياسياً ومن داخل النظام بعدما فشلوا في تحقيق ذلك عسكرياً.
يكتسب مؤتمر «جنيف3» المزمع عقده في الخامس والعشرين من الشهر الجاري أهمية مميزة في ما يعني الحضور المعارض على طاولة الحوار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن