قضايا وآراء

مَنْ يصمد 80 يوماً يستطع الصمود أبداً

| منذر عيد

صورتان متناقضتان، تعكسان عمق الهوة بين الجانب السياسي والعسكري في داخل الكيان الإسرائيلي، ومدى ضعف رؤى الجانب الأول، وانفصاله عما يكابده الجانب الثاني على يد المقاومة في قطاع غزة وعلى الجبهة مع لبنان، ففي الوقت الذي يتبجح فيه رئيس حكومة العدو الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ويركب رأسه متعهداً بأنه لن يوقف العدوان على قطاع غزة، وبأن «الحرب ستستمر حتى النهاية، حتى القضاء على حماس، وليس أقل من ذلك»، تنقل «القناة 14» الإسرائيلية عن ضباط وجنود إسرائيليين قولهم: «نشعر كأننا بطّ في ميدان الرماية»، ليعكس ذلك أي حماقة يرتكبها نتنياهو في محاولته استمرار العدوان على غزة.

إذا كان نتنياهو يعيش وهم الانتصار، مدفوعاً إلى الاعتقاد بذلك إيمانه ويقينه بأنه سيكون أول كبش يساق إلى مذبح الخسارة، فإن الحقيقة تؤكدها صحيفة «هآرتس بالعربي» الإسرائيلية بقولها صراحة ومن دون أوهام: «لن ننتصر، ولا حتى معاً، هذه المعركة الحالية في غزة قد خسرناها منذ 7 تشرين الأول، كل يوم إضافي في المناورة البريّة يعمّق الفشل أكثر (… ) هل من المحتمل أن ينبت من قلب الفشل شيء جيد، نهاية الصراع؟ ربما»، لتؤكد جميع المعطيات أن الكيان الصهيوني خسر معركته مع المقاومة، يوم خسر سرديته المضللة بأنه «ضحية الإرهاب»، ويوم خسر «ترف الوقت» عندما صمدت المقاومة حتى الساعة 81 يوماً، ويوم حشرت حكومة العدوان الإسرائيلي في الزاوية قبالة الضغوط الداخلية والدولية، حتى من أقرب الحلفاء الولايات المتحدة الأميركية.

من الواضح أن نتنياهو يسير وفق معادلة ربما باتت واضحة للجميع، معادلة مفادها كل خطوة يخطوها في العدوان على غزة تبعده بذات المقدار والمسافة عن السجن والمحاسبة، وهذا الأمر يتجلى من خلال إصراره على دفع قواته المحتلة للاستمرار في «عملها» في القطاع، رغم أن الإحصاءات تؤكد أن تلك القوات باتت تتكبد في الأيام العشرة الأخيرة خسائر مضاعفة عما كانت تتكبده في بداية العدوان، ما أضطر القيادة العسكرية إلى سحب لواء جولاني بعد خسارته ربع قواته، إضافة إلى أن المنطق والواقع يؤكدان أن من لم ينتصر أو يحقق هزيمة بالمقاومة الفلسطينية خلال 81 يوماً لن يتمكن من هزيمتها ولو واصل عدوانه عدة أشهر، وهذا واضح من خلال امتلاك المقاومة في اليوم 81 القدرة والكفاءة ذاتها التي كانت تمتلكها في اليوم الأول من العدوان في استهداف المستوطنات الإسرائيلية ودك العمق الفلسطيني المحتل بعشرات الصواريخ يومياً، لتثبت معادلة جديدة مفادها «مَنْ يصمد أكثر من 80 يوماً يستطع الصمود أبداً».

إذا كان تناقض الصورة في داخل الكيان الصهيوني يدلل على حجم التخبط والورطة التي يعيشها هذا الكيان، فإن صورة أخرى لكنها أكثر اتضاحا، تعكس مدى العزلة الدولية التي باتت تعيشها الولايات المتحدة الأميركية، نتيجة لدعمها وانحيازها الأعمى للعدوان الإسرائيلي على غزة، فبعد أن باتت واشنطن وحيدة في مجلس الأمن لجهة رفض وقف العدوان، ها هي تغوص أكثر في عزلتها «أقله في المنطقة» بعد أن رفضت دول المنطقة وخاصة العربية، عدا البحرين، الانضمام للتحالف متعدد الجنسيات في البحر الأحمر، الذي أعلنت عنه تحت مسمى «حارس الازدهار» لحماية الملاحة بعد ضرب الجيش اليمني مصالح الكيان الصهيوني عبر استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر أو من يتعامل مع الكيان، ليقتصر التحالف على مشاركة بعض من الدول الأوروبية، في تأكيد واضح أن واشنطن باتت تعيش عزلة دولية حتى من أقرب المقربين لها في القارة العجوز، حيث نفت إسبانيا انضمامها إلى التحالف فيما أعربت فرنسا عن قلقها إزاء تأثير انضمامها على العمليات الأخرى.

اقتصار التحالف على البحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل والمملكة المتحدة، أكبر دليل على انحسار دور واشنطن وأدوات تأثيرها وانكشاف دورها الإجرامي في دعم كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس حرب إبادة ضد أبناء فلسطين، ليستحضر مشهد غرق الإدارة الأميركية وعلى رأسها الرئيس جو بايدن، وحيدة في البحر الأحمر على الشواطئ اليمنية، مشهد وقوف مندوب واشنطن وحيداً في مجلس الأمن ضد قرار وقف العدوان الصهيوني على غزة.

في قراءة لمجمل التحالفات التي صنعتها أو قادتها الولايات المتحدة الأميركية، سواء في أفغانستان أم العراق وسورية بذريعة محاربة الإرهاب أو في أوكرانيا، فإن تلك التحالفات تهدف إلى انعدام الأمن في المنطقة، بعكس ما تدعي الولايات المتحدة الأميركية، وتشكل القاعدة والبؤرة لتصعيد الأزمات والجرائم في العالم، الأمر الذي يؤكد أن التحالف الذي تنشد إليه ليس إلا محاولة لتأسيس قاعدة دعم للكيان الصهيوني الإرهابي، ومحاولة لإطلاق يد الكيان لتتغول أكثر قتلاً واستباحة للدم الفلسطيني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن