قضايا وآراء

واشنطن: حماس أضحت أكثر تمدداً

| عبد المنعم علي عيسى

وفق تقييم استخباراتي أميركي جرى تسريبه يوم الخميس 21 كانون الأول الجاري بالتزامن مع المفاوضات التي تحتضنها القاهرة للإعلان عن هدنة جديدة في غزة، يبدو أنها مختلفة جذريا عن تلك التي أدت إلى هدنة الأيام السبعة، فإن حماس باتت «أكثر نفوذاً داخل أوساط شعبية في العالمين العربي والإسلامي»، ويضيف التقييم إن ذلك الفعل نجم عن كون حماس، نجحت في «الظهور كمدافع عن القضية الفلسطينية» وكطرف «قادر على التصدي لجيش الدفاع الإسرائيلي»، ثم يضيف التقييم إن «حماس لم تكن منظمة شعبية واسعة التأييد قبل 7 تشرين الأول الماضي».

ما بعد انهيار هدنة الأيام السبعة يوم 1 كانون الأول الجاري عمد «كابينت الحرب» لتبني نهج عسكري لا يشبهه سوى نهج «النازية» الذي ساد خلال الحرب العالمية الثانية، وهو يقوم على الاستخدام «الأمضى» للقوة النارية في محاولة لكسر إرادة المقاومة الفلسطينية وإجبارها على الانصياع للتفاوض، الفعل الذي لا بديل عنه لتحقيق «مكسب» يمكن أن يرمى بوجه جبهة داخلية باتت على يقين بأن حكومتها لم تستطع الوفاء بالتزاماتها تجاهها، و«كابينت الحرب»، كان من خلال تبنيها لذلك النهج تدرك أن الوقت يضيق تجاه المدى الذي يمكن أن يستمر إليه انطلاقا من أكلافه السياسية الباهظة، مع لحظ أن هذه الأخيرة باتت على مشارف أن تكون أميركية، الأمر الذي يعني أن تلك الأكلاف ستدخل قريبا مرحلة لا طاقة للتركيبة الإسرائيلية على احتمالها فيما إذا اتسع مدى الأولى، والشاهد هو أن تل أبيب ارتأت بعد مضي عشرين يوما من ممارسة التدمير والقتل النازيين، أن لا مناص من العودة إلى المفاوضات الأمر الذي يمثل بحد ذاته «انكسارا» للإستراتيجية الإسرائيلية المعلنة، وتلك المستترة، التي ارتأت أن إطلاق أسراها أمر يمكن تحقيقه عبر قوة النار واستخدام المزيد منها.

لا يبدو أن مسار التفاوض ما بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية يسير على طرقات سالكة على الرغم من أن طرفيه يبديان سلوكا يشير إلى عدم وجود رغبة في الإعلان عن انغلاقها تماما، لكن مرد ذلك، أي الطرقات غير السالكة، يعود إلى حسابات خاصة بكل طرف، فحكومة الحرب الإسرائيلية ترى أن حماس أنهكت عسكريا، ثم إن وضعها الداخلي الفلسطيني ليس بأفضل حالاته قياسا للتصريحات الإشكالية التي صدرت عن أكثر من مسؤول في السلطة الفلسطينية، ناهيك عن رياح إقليمية باتت على مواعيد جديدة وهي في مجملها ليست من النوع الخادم لمعركتها، وهذا، وفق رؤية حكومة الحرب، يجعل من الحركة على استعداد لإنضاج تسوية كبرى قد تشكل مدخلا لنهاية الصراع وإن كان بشكل مؤقت، بالمقابل ترى حماس أن معطيات الميدان الذاهبة مؤخراً نحو تحقيق المزيد من النجاحات التي تؤكدها حالات الالتحام الأسطورية والتي من شأنها أن تثخن جراحاتها في جسد الآلة العسكرية المترهل بدرجة تثير الكثير من الشكوك لدى جمهورها قبل أن تفعل لدى خارج بدا أنه أكثر يقيناً بذلك، وأن هذا يتيح، وفي الأمر ما يدعو إليه، رفع سقوف شروطها الأمر الذي يبين من خلال التسريبات التي تشير إلى أن حماس حددت عنوانا واحدا لأي صفقة جديدة محتملة هو «وقف تام للحرب» قبيل الدخول في أي تفاصيل أخرى، وهو ما يتأكد عبر ما أبلغت به القيادة السياسية لـحماس القطريين قبل أيام بـ«أننا غير مفوضين بالبحث إلا في وقف إطلاق النار».

ما تسعى إليه إسرائيل الآن هو الحصول على أي نوع من الإنجاز العسكري مما تظهره «احتفالات» الآلة الدعائية لجيش الاحتلال بالعثور مثلاً، على راجمة صواريخ تفضح الصورة المعروضة لها أنها مهجورة منذ زمن ليس بقصير، أو العثور على نفق تشير الصور المعروضة له هو الآخر أنه خارج الخدمة منذ زمن شبيه بالسابق، أو الحصول على إنجاز سياسي يعتقد بأن من الممكن تحقيقه في المفاوضات التي تجري تحت سقوف للنار غير مسبوقة، الأمر الذي أكده تقرير لـ«الواشنطن بوست» كانت قد نشرته يوم السبت 23 كانون الأول الجاري، واعتد بـ«صور لأقمار صناعية وتقييمات أممية» كما أكد أن «إسرائيل نفذت ضرباتها في غزة بمستوى دمار لا مثيل له في هذا القرن».

تدرك حماس أن عملية «طوفان الأقصى» قد شكلت مدخلا لتحولات جيوسياسية إقليمية، ولربما عالمية، سوف تحتاج لوقت لكي يتم فعل تبلورها بشكل يجعل منها قابلة للاستثمار، ولذا، والحال هكذا، فإنه سيكون من الخطأ الخضوع لضغوط الميدان، على الرغم من حجم الآلام والكوارث التي يستولدها، من أجل التوصل إلى اتفاق قد يقلل، فحسب، من هذي الأخيرة، الأمر الذي تؤكده التسريبات الصادرة عن القاهرة التي يشير بعضها أن المصريين «سألوا وفد حماس عن المقترح القابل للتطبيق»، فكان الجواب هو أن «لا يتم إعلان لوقف إطلاق النار بل تعليق العمليات العسكرية» على أن «يجري خلال ذلك إطلاق دفعة من الأسرى»، ثم الاتفاق على «آلية إدارة الوضع أمنياً في غزة، ومن يدير إعادة الناس إلى بيوتهم».

هذه الأجوبة الأخيرة لـحماس يعني أنها مدركة جيداً لكيفية تحويل حقائق الميدان إلى مكاسب سياسية حيث من المؤكد أن الأولى ستكون بلا قيمة حقيقية ما لم يتبعها هذا الفعل الأخير.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن