ثقافة وفن

ترك بصمة وأثراً لا ينسى … البروكار الدمشقي تراثنا إلى العالمية

| ليدي دوميط

عرفت دمشق أنها أقدم وأعرق العواصم العربية حيث تمتلك تراثاً قيّماً بسبب مرور العديد من الحضارات عليها فقدمت مختلف أنواع الحرف والمهن التراثية اليدوية والتي تمثل تاريخاً بأكمله.

المدمشق، البروكار، القماش الدمشقي جميعها ألقاب لأشهر وأفخر أنواع الأقمشة في العالم وتتميز به دمشق منذ قديم الزمان، أي من مئات السنين له حرفيون وورشات عمل خاصة لنسجه وحياكته بفن وذوق ودقة لمزج الحرير مع الخيط المقصب مرةً ذهباً وأخرى فضة ليعطي لوحة وجزءاً من الثقافة الجمالية.

من أهم الحرف التي صنفت ضمن التراث الدمشقي «البروكار».

فن دمشقي متوارث

وبتصريح خاص لـ«الوطن» كشف الحرفي وصاحب أقدم المحلات الشرقية «بسام حداد» أن البروكار نشأ في دمشق وهو فن دمشقي قديم متوارث عبر العائلات والأجيال على مدى العصور ومئات السنين حاول الكثير تقليده لكنهم لم يستطيعوا لأن السبب وراء صناعته تقانة عمله وجودة تناقله من الأب إلى الابن.

مبيناً أن كلمة بروكار سميت بعدة ألقاب، قديماً كان يطلق عليها الديباج لأنها كلمة أجنبية، البعض يقول إنها فرنسية والبعض الآخر كردية لكن علماء اللغة قالوا إنه يعود أصلها إلى الآرامية وتعني برو «حياكة»، كار «مهنة».

نشأة وتطور البروكار

وبيّن «بسام» أن البروكار يصنع من خيوط الحرير الطبيعي أولاً ثم يدخل عليه الذهب والفضة وهذا مايعطيه أهمية وغلاء لسعره، وقال: إن مصدر الحرير المستخدم يعود إلى وجوده في مزارع خاصة لتربية دودة القز في منطقة الدريكيش في محافظة طرطوس وهناك معامل عديدة لاستخراج خيط الحرير.

وأضاف: إن هناك رسوماً تميز البروكار الدمشقي ومنها: رسوم تراثية مازالت مطلوبة وأيضاً تصميمات منها ما يحكي عن أشخاص أو ملوك وملكات أو رسوم عن الحيوانات الأسطورية ونباتات لها خلفية حضارية لكن من المهم أن تبقى حصراً ضمن نسق الفن الشرقي والعربي.

لافتاً إلى أنه تتم حياكته على النول العربي اليدوي بسبب غلاء سعره ودقة عمله وقلة اليد العاملة، لكن اليوم يوجد في دمشق فقط خمسة معامل للبروكار.

لوحات فنية عريقة

وأشار إلى أنه ظهر البروكار الدمشقي على شكل لوحات جمالية وفنية مستوحاة من الطبيعة الدمشقية حيث رسم عليه البندقة أي الوردة الموجودة في البيوت العربية، وأيضاً هناك عدة رسوم جاءت من التراث الديني العربي مثل: الشرفية وهي من الأشكال المشهورة في الجامع الأموي ورسوم دينية مثل: سفينة نوح.

وأضاف: إنه مع مرور الزمن وتطور الحرفي وانفتاحه على معظم الثقافات المحيطة تم البدء برسم لوحات وتعبيرات جديدة مستوحاة من الحضارة الفارسية مثل: زهرة الكشمير أو الأوروبية مثل: لوحة روميو وجولييت، مبيناً أنه يمكن استخراج عدة ألوان من البروكار منها (الأحمر، الأخضر، الأصفر، الأزرق، الذهبي، الفضي، البرتقالي، الوردي) عن طريق نسج الخيط المقصب بالذهب عيار 14، يلف مع الحرير وينسج ويستغرق يومياً ثماني ساعات عمل لإنتاج 20سم بعرض 90سم وبذلك يستحق بعد هذا العناء والصبر غلاء ثمنه فهو قماش فاخر يتباهى فيه الأثرياء والعائلات العريقة والملوك.

وبيّن أن صناعة البروكار كانت شهرة للحرفي ولعائلته أو للورشة المصنعة أكثر من المردود المادي لكونه قيمة عظيمة للشخص يتفاخر بها.

الملوك والبروكار الدمشقي

وتحتفظ الوثائق التاريخية بقصة ذات مغزى أوردها في حديثه عن البروكار وهي أن أشهر الملكات اللواتي ارتدين البروكار الدمشقي الملكة ماري أنطوانيت زوجة ملك فرنسا، وأيضاً الملكة إليزابيث التي لبست منه ثوب حفل زفافها عام 1947، وأيضاً لبسته مرة أخرى في ثوب حفل تتويجها كملكة عام 1952 في عهد الرئيس شكري القوتلي، وهو من قام بإهداء الملكة إليزابيث قطعة بروكار من نقشة العاشق والمعشوق التي أصبح اسمها فيما بعد نقشة «الملكة إليزابيث» وعلى جانبها خيوط من الذهب.

وأضاف: إنه أيضاً ارتدته ملكة الأردن رانيا العبدالله وتفاخرت به ومن ثم اختار الأمين العام للأمم المتحدة السابق ربطة عنق منه، أما ملك السعودية فقد وضع منه على جدران قصره.

ومن الجدير ذكره هناك العديد من القصص والحكايا تناقلت أن خزانة ملابس ملكة تدمر زنوبيا كانت مملوءة بالفساتين والأقمشة الدمشقية المصنعة من البروكار.

سفير الإبداع الدمشقي

وأشار إلى أنه قديماً كان يستخدم بكثرة في الألبسة لكن مع تطور الزمن واختلاف العصور بدأ استخدامه في صناعة المفروشات، وخصوصاً في البيوت الدمشقية والفنادق القديمة ليتناسب مع خشب الموزاييك، لافتاً إلى أنه تم تنجيد المفروشات بالبروكار ويتم وضعه بالقصور والمجالس الفخمة فأصبح متداولاً في دمشق ومختلف المدن السورية على سبيل المثال: في مجلس الشعب وقاعات الشرف وقصر المؤتمرات، قاعات الاستقبال الرسمية ومختلف الوزارات.

مبيناً أن الدور الأكبر في نقل التراث هو وجود السفارات السورية في عدة بلدان عربية وأجنبية وذلك خلق طابعاً ومعلماً أثرياً عريقاً أمام الكثير من البلدان والحضارات.

وأضاف: إنه عرف باسم الدامسكو في أوروبا نسبة لدمشق أي «Damascuas» فالسياح والزوار الأجانب يشترون البروكار ويرون أنه تراث يجب الاحتفاظ بقطعة منه للذكرى.

يجب ألا ننسى أن البروكار أيضاً دخل في المخيلة الشعبية فكان له دور مهم في الأمثال والأغاني الدمشقية والتي تناقلت بين العائلات ومختلف الأحياء في جميع مناسباتهم على سبيل المثال:

المثل الشعبي يقول: كار الطاق ما ينطاق.

أي يبيّن مدى صعوبة المهنة وقسوتها وصعوبتها (الطاق هو الخيط، عملية لفه وشده صعبة جداً)

أما المقطوعة الغنائية الشعبية فقد تغنت بجمال وروعة البروكار:

حبيبي جبلي… جبلي بروكار ، حبيبي كارو… أحلى كار

جبلي المدهّب جبلي المحجّب ، بروكار مركب وقلي سهار

قلي يا حلوة بروكار للحلوة ، ما أحلى السدة والقمر دار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن