ثقافة وفن

البانوراما السورية الإعلامية والمسرحية لعام 2023 … الإعلام السوري يفقد ثلاثة من رواده ومؤسسيه والمسرح يودع ثلاثة أيضاً

| وائل العدس

تهاوى القلم بعد أن جفّ حبره لتسقط آخر قطراته وسماً بطولياً في تاريخ مناضل شرّف مسيرتهم طوال سنوات حياتهم، تاركين خلفهم إرثاً إعلامياً مشرقاً سيظل محفوراً في ذاكرتنا.

إذ شهد عام 2023 خسارة ثلاثة من أهم إعلاميي سورية الرواد والمؤسسين، الذين كان لهم أدوارهم البارزة في الارتقاء بمستوى الإعلام المحلي.

رحلوا بعدما كانوا شاهدين ومتفاعلين ومحللين ونقاداً ومؤثرين في صياغة وصناعة وعي الأجيال المعاصرة وثقافتها، رحلوا وهم يحملون أسراراً ثقيلة وأفكاراً مزدحمة وتجارب صحافية قلّ نظيرها.

إبراهيم ياخور

في الأول من شباط، رحل الإعلامي إبراهيم ياخور عن عمر ناهز الثمانين عاماً.

هو إعلامي مميز في عالم الصحافة، وأحد الأساتذة الذين تركوا أثراً في عالم الإعلام، وهو من رواد الصحافة الميدانية، كان مدرباً في شبكة «إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية أريج» منذ عام 2007، وعمل مذيعاً ومقدماً للبرامج في التلفزيون العربي السوري بين عامي 1986 و2003.

الراحل ولد في مدينة اللاذقية عام 1943، حاصل على شهادة في كتابة السيناريو من أكاديمية «نيويورك» للأفلام، عمل في الهيئة العامة للإذاعة كمذيع ومقدم برامج في الفترة بين 1986 و2003.

له بصمات وتأثيرات في مسيرة الكثير من الصحفيين وكتّاب السيناريو والأدباء والروائيين، فكان يتكلم فيوجع، يأتي بالحقائق ويسردها فيحرك القلوب والضمائر.

تميز ببعد النظر ونفاذ البصيرة والثبات على الرأي والمبدأ، وكان من رواد الصحافة الاستقصائية، ولقب عن حق بشيخ صحافتها.

الراحل كان علامة فارقة في الحياة الإعلامية السورية، لأنه كان رائداً حقيقياً من رواد الصحافة، وعموداً من أعمدة الكلمة، حاملاً هموماً تدور حول تحديث المجتمع ونهضة الوطن.

برامجه كانت تمارس دوراً جوهرياً في إثارة اهتمام الجمهور بالقضايا والمشكلات المطروحة، وكانت مصدراً رئيساً يلجأ إليه الجمهور في الحصول على معلوماته عن جميع القضايا بسبب فاعليته الاجتماعية وقدرته على الوصول ومخاطبة القسم الأعظم من التكوين المجتمعي.

وحين نتحدث عن برامجه، فيجب ألا نغفل ثقافته، فهي على درجة من الأهمية لإدراك مختلف الجوانب والأبعاد التي تحملها تحقيقاته.

أعد وأشرف على أهم البرامج التلفزيونية على الشاشات المحلية، لعل أبرزها برنامج «نقطة تقاطع» الذي كان يناقش ويهتم بمواضيع بالإدارة وثقافتها من خلال مجموعة من التحقيقات.

وبدأ ياخور مشواره الدرامي بتأليف ثلاثية «أمينة الصندوق» للمخرج حاتم علي، ثم طرح موضوعاً متجدداً في مسلسل «أزهار الشتاء» التي استمدها من رواية عالمية لروائي روسي بعنوان «نقود لماريا» أخرجه محمد الشليان.

وقدم ياخور في كل حلقة من حلقاته «قصة من الحياة» أبطالها أشخاص واقعيون تتقاطع إفاداتهم لتشكل التفاصيل الطريفة أو المريرة لقصتهم.

على صعيد التمثيل، من شاهد المسلسل السوري الكوميدي «أحلام أبو الهنا»، الذي عرض عام 1996 لا بد أنه يتذكر شخصية «الأستاذ مفيد» التي جسّدها إبراهيم ياخور.

كانت للراحل أدوار قليلة في عالم الفن، فشارك في مسلسل «حمام القيشاني ج2» أيضاً عام 1997 بدور مسؤول حزبي، ودور صغير في مسلسل «الأصدقاء/ عودة غوار» عام 1998 إلى جانب دريد لحام وناجي جبر.

كما شارك في السهرتين التلفزيونيتين «التحقيق: النظارة المكسورة» و«نهاية سعيدة»، إضافة إلى مشاركته في مسلسل «الفندق».

فائز الصايغ

في الثامن من أيار رحل الإعلامي فائز الصائغ عن عمر ناهز 76 عاماً.

كان معيناً ثقافياً ثرياً، وقامة إعلامية وفكرية وسياسية كبيرة ما ترددت في خدمة الوطن بإخلاص في المحافل الإعلامية وفي المناصب التي حمل مسؤولياتها بكفاءة واقتدار وابتسامة تحنو على الصغير والكبير.

حاز الصايغ درجة الدكتوراه في الإعلام، وتدرج في العمل الإعلامي، فكان مديراً لمكتب وكالة الأنباء السورية «سانا» في القاهرة وموسكو، وشغل عدة مناصب في الصحف منها سكرتيراً للتحرير في صحيفة «تشرين»، ومديراً للتحرير في صحيفة «الثورة»، ثم عاد للعمل في «سانا» كمدير عام مساعد ومدير للتحرير، ليصبح لاحقاً مديراً عاماً، كما تبوأ خلال مشواره الحافل عدة مناصب إعلامية، منها مدير عام للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ورئيس تحرير لجريدة «الثورة»، ورئيس أيضاً لمجلس إدارة مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر، ورئيس لاتحاد وكالات الأنباء العربية «فانا»، إلى جانب كونه عضواً في مجلس الشعب السوري في الدور التشريعي 2012– 2016.

وبموازاة هذا كانت له مئات المقالات والزوايا في السياسة والمجتمع والإعلام، ومع بدء الحرب على سورية عام 2011، كان حاضراً للدفاع عن سورية وكشف التضليل الذي مارسه كتّاب وصحفيون في محافل إعلامية عديدة، وفي رصيده كتاب «معاً على الطريق».

ويُحسب له حرصه على مواكبة المؤسسات الإعلامية لما يستجد في مُختلف المجالات، من ذلك الانتقال إلى النظام المعلوماتي في «سانا»، والاهتمام بالبرامج السياسية في التلفزيون، لذلك عدّه كثيرون صاحب بصمة في الإعلام السوري، ومُعلّماً مُتواضعاً، دافع عن زملاء المهنة كشركاء لا يُمكن الاستمرارية من دونهم، كما لا يستوجب الاختلاف معهم العداء والإقصاء، ولهذا كانت عبارات الرثاء في رحيله واستحضار الذكريات والمواقف، عصيةً على الإيجاز.

مروان شاهين

في السادس من تشرين الأول، رحل الإعلامي والتشكيلي مروان شاهين عن عمر ناهز الثالثة والتسعين عاماً.

وكان أول مذيع يقرأ نشرة الأخبار حين تأسيس التلفزيون السوري، وله دور كبير بتعريف الجمهور على الفن التشكيلي العالمي بفضل ثقافته الفنية الواسعة من خلال فواصل تلفزيونية أنيقة وسهلة ومكثفة.

كما عمل على التعريف بالاتجاهات الحديثة في الفن التشكيلي السوري، حيث ظهر في برامجه لأول مرة على الشاشة فاتح المدرس ولؤي كيالي وسواهما من الفنانين التشكيليين الرواد.

برع برسم «البورتريه» والمناظر الطبيعية، وساهمت مواهبه التي امتلكها منذ الصغر باعتلائه منصة الرواد الأوائل في مجال الإعلام الإذاعي والتلفزيوني.

أقام الكثير من المعارض الفردية في سورية وخارجها، ولوحاته مقتناة في المتحف الوطني بدمشق ومجلس الوزراء ومجلس الشعب.

عُيّن معلقاً للأخبار عام 1957، وقدّم أول برنامج إذاعي ثقافي منوع بعنوان «ألوان»، حيث كانت الوحدة بين سورية ومصر، وقد تم تبادل مذيعين بين القاهرة ودمشق، وكان منهم، ومن شدة اشتياقه إلى دمشق أذاع مرة: «هنا الجمهورية العربية المتحدة في دمشق».

في عام 1960، طلبه مدير التلفزيون المصري السوري عبد الحميد يونس من مدير الإذاعة يحيى الشهابي للعمل بالتلفزيون، وكان الدكتور صباح قباني مديراً للتلفزيون، وتمت المواظبة على البث من قاسيون لمدة سنة وثمانية أشهر، وكان يقدم البرامج الثقافية والرياضية، وأول برنامج قُدم كان في اليوم الثاني للبث، بعنوان «هذا الأسبوع».

بعدها قدّم برنامجاً ثقافياً باسم «ندوة الأسبوع»، فقد أجرى مقابلات مع أهم المفكرين والأدباء، أمثال مهدي الجواهري والأخطل الصغير وسعيد عقل عام 1961.

عام 1975 عُيّن مديراً لمعهد الإعداد الإعلامي، وخرّج كوادر إعلامية مهمة، ثم أصبح مراسل «سانا» في روما فتعلم اللغة الإيطالية.

أقامت وزارة الثقافة عام 2017 حفلاً تكريمياً لمروان شاهين في المركز الثقافي بدمشق، عُرض فيه فيلم تسجيلي بعنوان «يحدّثونك من القلب» من سيناريو وإعداد الباحث غسان كلاس.

شهد عام 2023 رحيل ثلاثة مسرحيين سوريين، منهم ممثلة حققت شهرة واسعة رغم مشاركتها في عرض مسرحي واحد، مقابل اثنين من رواد المسرح في سورية، وإلى التفاصيل:

سلوى الجابري ومسرح الطفل

في الرابع من الشهر الأول، رحلت مخرجة مسرح العرائس سلوى الجابري وهي من أوائل المخرجات اللواتي خضن تجربة الإخراج لمسرح العرائس في سورية منذ ستينيات القرن الماضي، إن لم تكن الأولى منذ تأسيس هذا المسرح، فهي منذ ما يقارب الأربعين عاماً عملت على ترسيخ هذا النوع من المسرح في مجتمعنا ليصبح مواكباً لاهتمامات الأطفال، حيث عملت على إشراك مسرح العرائس السوري بمهرجانات عربية وأجنبية حصل من خلالها على العديد من شهادات التقدير.

قدّمت الراحلة خلال مسيرتها الفنية التي امتدت لسنوات عدة عروضاً لمسرح العرائس، منها «مسرحية الكنز» للكاتبة دلال حاتم والمسرحية المترجمة «حارس الغابة يا صديقي» التي قدّمت عدة مرات، كان آخرها عام 2021.

تعاملت مع العديد من الكتاب السوريين، وكرّمتها مديرية المسارح والموسيقا في العام 2019 عن مجمل أعمالها المسرحية خلال مهرجان مسرح الطفل.

وكانت تصف حالة تفاعل الطفل مع مسرح العرائس بأنه يستمتع بالدمية لأنه منذ بداية حياته يتعامل مع دمية إلى جانبه سواء كانت تمثل طفلاً أم حيواناً، فهو يشكو لها همومه ويحكي لها ما يريد لذلك عندما يسمع منها نصيحة على المسرح يكون لها تأثير، وصحيح أنه يسمع من أهله لكن الدمية توصل الأفكار بطريقة غير مباشرة.

كانت حريصة دائماً على اختيار النصوص المسرحية الخاصة بالأطفال ذات البعد الأخلاقي والتربوي، بالإضافة إلى سعيها للمحافظة على جانب المتعة والتشويق في الأعمال التي تقدمها للأطفال، وحرصها على التعامل مع فنانين مخضرمين ومتمرسين في هذا النوع من الأعمال المسرحية.

الراحلة التي تحمل درجة الماجستير في الإخراج لمسرح العرائس من بلغاريا، كانت لفترة طويلة المخرجة الوحيدة لهذا النوع من المسرح، وقد استلمت إدارة هذا المسرح من العام 1985 وحتى العام 2003، وعملت على تطوير صناعة العرائس وتنشيط مسرح الطفل من خلال إخراج مسرحيات جديدة وإعادة عرض المسرحيات القديمة الجيدة، إلى جانب سعيها لتطوير صناعة العرائس، وخاصة أنها اهتمت كثيراً بصناعة العرائس في أثناء دراستها في الخارج وخضوعها لدورات حديثة ومتطورة، فصنعت دمى تستطيع فتح فمها وتحريك عيونها، كما عملت على إدخال المؤثرات الصوتية المسجلة وإضافة الكثير من البروجكتورات للإضاءة، واستعمال التسجيل للأغاني والموسيقا، كما شجعت صناعة دمى كبيرة يمسكها اللاعب من الخلف ويتحرك معها، وتركت تأثيراً قوياً في الأطفال كما في مسرحية «الوردة البرية» إذ أشركت الصالة في العرض بإدخال دمية كبيرة يلبسها شخص من باب الصالة في مسرحية «الفيل الصغير»، كما عملت أيضاً على إشراك مسرح العرائس في مهرجانات عربية وأجنبية للاستفادة من خبرات الآخرين، وحصل حينها مسرح العرائس السوري على شهادات تقدير من جميع المهرجانات التي شارك بها.

محمد سمير الشمعة والأكاديمية

في الثالث عشر من كانون الأول، رحل الفنان المسرحي محمد سمير الشمعة عن عمر ناهز التاسع والسبعين عاماً.

حائز ماجستير في الفنون المسرحية وإخراج الباليه في الاتحاد السوفييتي، عمل مخرجاً في مديرية المسارح والموسيقا، ومديراً لفرقة أمية للفنون الشعبية، ومديراً لفرقة زنوبيا للفنون الشعبية، ومدرّساً في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكان عضواً في لجنة القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية، وعضواً في لجان التحكيم لمهرجانات الطلائع، كما عمل عضواً في لجان تحكيم مهرجانات الشبيبة، ولجان القبول لمهنة الفنون الشعبية في نقابة الفنانين لعدد من الدورات.

قام بتأسيس تجمع نقابي باسم «المسرح الغنائي للأطفال والأسرة» عام 1981، كما صمم وأخرج العديد من الأعمال المعروفة كاللوحة الشعبية للدورة الرياضية العربية الخامسة في دمشق عام 1976، وأخرج عروض افتتاح مهرجان المحبة (1994-1997)، والعديد من أعمال منظمة شبيبة الثورة، كما قام بإخراج عدد من أعمال منظمة طلائع البعث.

وفي مديرية المسارح والموسيقا كان له الكثير من الأعمال، كما صمم العديد من الرقصات للعروض المسرحية لمصلحة مسرح «الطفل والعرائس»، وقدّم أيضاً عدداً من أعمال المسرح العسكري.

حاز عدداً من شهادات التقدير والأوسمة من المنظمات الشعبية والنقابات المهنية في سورية، وقدمت أعماله في الكثير من الدول العربية والأجنبية.

سوزان المتولي وكاسك يا وطن

في الثامن من كانون الأول، رحلت الفنانة المسرحية سوزان فخري المتولي التي حققت شهرة واسعة رغم مشاركة وحيدة لها في مسرحية «كاسك يا وطن» عام 1978 إلى جانب الفنان الكبير دريد لحام، فقد أدت دور زوجته في المسرحية التي كتبها الراحل الكبير محمد الماغوط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن