قضايا وآراء

واقع الكيان وما بعد السابع من تشرين الأول 2023

| تحسين حلبي

حين قرر رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي الأسبق أرئييل شارون في عام 2005 الانسحاب من قطاع غزة ونزع 22 مستوطنة فيه بعد عجزه عن تصفية المقاومة المسلحة المتصاعدة فيه، كان الهدف الذي حدده لما بعد الانسحاب منه هو زرع انقسام حاد بين فصائل المقاومة والسلطة الفلسطينية، أي بين الضفة الغربية وبين القطاع وخاصة أنه قام بهذا الانسحاب بعد عام من محاصرة مقر السلطة الفلسطينية عام 2004 واغتياله الرئيس ياسر عرفات بالسم في العام نفسه، ورأى شارون أن خطته الإستراتيجية يجب أن تؤدي إلى تحويل القطاع بسكانه إلى دولة فلسطينية بديلة عن السلطة في رام اللـه وخاصة لأن القطاع لم يعد فيه بعد الانسحاب لا جيش احتلال ولا مواقع عسكرية ولا مستوطنات. وكان يخطط لنقل مؤسسات السلطة كلها من الضفة إلى غزة، وبهذه الطريقة يركز على توسيع الاستيطان وتكثيفه في الضفة الغربية التي بقي فيها الجيش منتشراً بمختلف مواقعه تمهيداً لضمها إلى الكيان بشكل علني بعد تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى القطاع وفرضه كدولة فلسطينية، ولذلك جرى بعد عام 2006 إعداد خريطة طريق إسرائيلية لتحقيق هذا الهدف وحوصر الشعب الفلسطيني في القطاع 16 عاماً بسبب رفضه هو والسلطة الفلسطينية وحركة حماس وبقية فصائل المقاومة تصفية قضية فلسطين.

وكانت آخر طبعة لخريطة الطريق التي حددها الكيان لتصفية قضية فلسطين هي صفقة القرن التي أراد رئيس حكومة العدو الحالية بنيامين نتنياهو فرضها بمشاركة علنية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل ست سنوات بعد أن اعترف بالقدس عاصمة للكيان ونقل السفارة الأميركية إليها، ولأن الشعب الفلسطيني وكل مراجعه السياسية الرسمية وفصائل المقاومة أحبط هذا المخطط في قطاع غزة وفي الضفة الغربية ما زال يدفع ثمن هذا الموقف التاريخي ويصمد أمام وحشية الكيان ويستمر بمقاومته للاحتلال وأهدافه.

فالواقع الآن بعد مرحلة السابع من تشرين الأول 2023 ومقدمات الانتصار الذي حققته المقاومة جعل الكيان يسعى إلى تنفيذ خطة وحشية لتغيير كل البنى التي حافظ عليها القطاع من ناحية الديموغرافيا المتماسكة على الأرض ومن ناحية تطلعات سكان القطاع إلى إعادة بناء مدنهم ومخيماتهم على قواعد ما تراكم من المكاسب التي حققتها المقاومة في الساحتين الميدانية وفاعليتها في تطوير منجزات صموده على الساحة الإقليمية والدولية وفي مؤسسات الأمم المتحدة، فالكيان الإسرائيلي يهدف إلى تنفيذ خطته الأساسية التي وضعها لمشروع صفقة القرن لفرض خريطة طريقه بقوة وحشية لفصل القطاع سياسياً وسيادياً، وهو في حالة الدمار، عن الضفة الغربية، لتحويله إلى السير نحو قبول مشروع صفقة القرن التي أحبطها وأزال وجودها من التداول الأميركي – الإسرائيلي منذ سنوات، وهذا ما يعنيه قادة جيش الاحتلال وحكومته حين يعلنون أن العمليات الحربية الوحشية لإنهاء المقاومة ستستمر لسنة أو أكثر وهم يدركون في واقع الأمر أن المواجهة الميدانية والصمود الأسطوري للشعب في القطاع هما العامل الذي بدأ يولد زيادة حدة الانقسامات الداخلية والحزبية والانهيار المعنوي في الكيان بل في داخل الجيش الإسرائيلي وهذا ما يولد زيادة التنديد الدولي باستمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وبضرورة إيقافها، ولا شك بأن هذا العامل إضافة إلى المقاومة البطولية هو الذي سيحمل تأثيراً كبيراً يزعزع تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية من نواح كثيرة، ويفرض عليها العجز عن تحمل مضاعفات الاستمرار في شن العمليات العسكرية الوحشية، وسيجبر الكيان على الخضوع لتهدئة تكتيكية تصبح بحد ذاتها عنوان انتصار للمقاومة ومحطة تحافظ فيها على بقائها وعلى صمود الشعب الفلسطيني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن