كنت قد كتبت خلال السنوات الماضية عدة مقالات بهذا العنوان طرحت فيها معاناة الناس في معيشتهم، وطرحت أفكاراً محددة لمعالجتها ضمن الإمكانات المتاحة، لكن للأسف لم تلق أي اهتمام من المعنيين الذين أصبحت هموم المواطن «آخر همهم» رغم التصريحات التي يدلون بها بين الحين والآخر التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
وجاءت الأزمة التي تعرضت لها سورية في عام 2011 لتزيد من معاناة الناس وهمومهم المعيشية التي باتت في السنتين الأخيرتين في غاية الصعوبة والتعقيد، وكل تأخير في وضع الحلول الإسعافية سيؤدي حتماً لكارثة اجتماعية ندعو الله ألا نصل إليها، لكن علينا أن نعي مخاطرها ونحذر منها.
إن الحلول المجتزأة لا يمكن أن تحسن الأوضاع من قريب ولا من بعيد، ولابد من وضع رؤية وطنية إستراتيجية شاملة بعيداً من التنظير والنفاق تحدد الأهداف والأولويات والآليات بدقة وبما يتناسب مع أوضاع بلدنا لتكون سورية للجميع وليس للأغنياء فقط.
لقد أصبح نحو تسعين بالمئة من الشعب السوري يلامسون خط الفقر، وهم محرومون من الغذاء والدواء واللباس، ويعانون من عدم توافر الكهرباء التي هي عصب الحياة، ومن دونها لن تكون هناك حياة ولا زراعة ولا صناعة ولا تعليم، وعوضاً عن طرح مشاريع لتحسين الوضع الكهربائي يطرح بعض المسؤولين الاستعانة بالطاقة البديلة والأمبيرات التي تفوق كلفتها إمكانات المواطنين، بل ليس لديهم القدرة على التفكير بتنفيذها، وذلك لحساب أشخاص يحققون منها أرباحاً خيالية.
إن الكهرباء من القطاعات التي يجب أن تبقى بيد الدولة توليداً وتوزيعاً، لا يجوز بحال من الأحوال التنصل من هذه المسؤولية التي تبقى من واجبات الدولة الأساسية؛ أما الاستفادة من الطاقة البديلة فيجب أن يتم ذلك بمشاريع عامة تقوم بها وزارة الكهرباء والجهات المعنية الأخرى.
هذا وغيره يتطلب الإسراع بالبدء بالإصلاح والتغيير الذي أصبح أمراً علاجياً إسعافياً لمختلف مؤسسات الدولة واقتصادها؛ بل لحياة الناس التي باتت غير قادرة على الاستمرار بالتحمل، وكل تأخير في ذلك سيمكن الفاسدين من محاولة إجهاضه والالتفاف عليه كما حدث في مرحلة سابقة.
لقد دفع الشعب السوري أثماناً باهظة، وما زال، في الوقت الذي يعيش فيه الفاسدون وأعوانهم حياة ترف وبذخ وينهبون ثروات سورية جهاراً نهاراً.
لابد أن يبدأ الإصلاح بملاحقة هؤلاء الفاسدين الحاليين والسابقين واسترداد الأموال التي نهبوها وهربوها خارج سورية، وهذا يتطلب، كما اقترحت سابقاً، إصدار قانون بإحداث هيئة لمكافحة الفساد ترتبط برئيس الجمهورية وتعطى صلاحيات استثنائية تضمن استرداد الأموال المنهوبة التي أعتقد أنها تكفي لإعادة إعمار سورية وتنيشط دوران الاقتصاد الوطني.
وتأتي الأولوية الثانية في وضع خطط وبرامج لزيادة الرواتب والأجور تدريجياً لتحسين الأوضاع المعيشية من جهة والحد من انتشار الفساد من جهة أخرى؛ حيث يتعذر محاسبة الموظف الذي يحصل على إكراميات لتأمين معيشة أسرته بالحد الأدنى في ظل عدم حصوله على راتب يغطي تكاليف المعيشة التي باتت تفوق الدخل بعشرة أضعاف وأكثر.
إن ما يطرحه بعض الخبراء وأساتذة الاقتصاد بزيادة الرواتب والأجور وتغطيتها من العجز غير مناسب على الإطلاق وسيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع التضخم وزيادة الأسعار في ظل العجوزات المتراكمة وضعف الموارد.
الحل في وضع النقاط على الحروف، والبدء بالإصلاح ومحاربة الفساد من دون تأخير.