يخطئ من لا يعتقد أن لدى سورية كادراً بشرياً مهماً، لديه من الكفاءات والخبرات ما سيؤهله في خلق مبادرات واجتراح حلول وابتكارات يشار إليها بالبنان، لكن على أرض الواقع.. لماذا لم نشهد طفرات خلاقة لحالات إبداعية ليس على صعيد محدد، بل على أصعدة شتى وعلى ميادين الساحات العلمية بالشكل الذي يوازي قدرة الإمكانات والطاقات الكامنة التي تحتاج إلى من يملك مفاتيح تفجيرها لكي تأخذ مساراتها إلى النجومية والعالمية، لا شك هناك طاقات نسمع عن نجاحاتها لو كانت ضمن حدود ضيقة إلا أنها تبقى عملة فعالة..! سورية بلد كان دائماً متقدماً في القوانين والأنظمة والتشريعات ولديه كفاءات وخبرات عالية أسعفت دولاً ما وأمدتها بحاجاتها التعليمية والإدارية والوظيفية وساهمت في بناء قدرات أبنائها ومنتسبيها في العديد من الدول، وانتقلت الخبرات إلى العالمية نوعاً ما بأبنائها فبرز منهم كثيرون من المبدعين في مجالات كثيرة منها الطب والجراحة والهندسة والقانون والرياضة والعلوم وغيرها فكانوا منارة لغيرهم ومحفزين لهم واعتلوا المناصب في المؤسسات الدولية بجهدهم الخاص وتفوقهم وبـ«مفردهم» ومن دون أي تخطيط مسبق من أي من الحكومات أو مسؤولي التخطيط الاستراتيجي مثلما فعلت دول أخرى متقدمة.
الحرب والظروف الاقتصادية وملحقاتها أدت إلى ظهور حالات نزيف ليس على الصعيد الاقتصادي والمعيشي وسواه، بل لاستمرار النزيف الخطر من خلال تواصل هجرة الكفاءات والموارد البشرية الرائدة، ليس على مرفق كالطب مثلاً، بل على صعيد العديد من الاختصاصات العلمية والأدبية الأخرى، وهذا النزيف لم يحرك ساكناً لدى الحكومات وكأنها تبارك بفقدان وخسارة أهم مورد للتنمية برمتها..!
لم تكلف الحكومة عناء التدقيق بما خسرت إداراتها ومؤسساتها من كوادر، ولم تقدم خطوة تجاه الارتقاء أكثر بتهيئة الأجواء وصولاً لصنع جيل علمي تقني ابتكاري يقلب الموازين، فالنجاحات لدى دول العالم وليدة تهيئة الظروف أمام أبنائها وتركهم يثبتون مقدراتهم العلمية بكل حرية، وهاهي الأخبار تنقل لنا ما يحصل في ساحات وميادين العلم والعمل، وأخبار سباقات الدول التكنولوجية وثراء بعض الأشخاص حيث التسابق بين البشر كم سيجني كل واحد بكل دقيقة، فلا شك الحالات الناجحة الفردية ستنعكس خيراً على المجتمع وعلى حركة النمو بالمجمل..!
والتساؤل كيف كان سيكون الوضع لو اهتمت الجهات الحكومية وجهات التخطيط بوضع استراتيجية لتلك الكفاءات وتنميتها والاستفادة العلمية والإدارية والاقتصادية منها؟ وكيف لو عملت على وضع منصات للمبدعين والمبتكرين بشكل آخر ترعاهم وتؤهلهم ليكونوا في خدمة بلدهم المستقبلي وإعادة ضخهم في الأسواق العالمية كمادة بشرية متميزة عوضاً عن تركهم يسبحون في التيار بمفردهم؟ أين خطة الحكومات لأبنائها وخاصة بعد سنوات الحرب ونزيف الهجرة للخارج؟!
اليوم الاستفادة من الخبرات في بيئات العمل والمحافظة على المتمكنة أمر حتمي وعلى قدر كبير من الأهمية، خصوصاً مع الوضع الاقتصادي وحالة العجز والوهن، والمشاريع الكبرى المعطلة وغياب الفكر الاستراتيجي، فتعزيز دور الكادر المؤهل وإطلاق العنان له خطوة إيجابية وضرورية لتفجير كل الإمكانات الكامنة لتكون سلاحاً ناجعاً وترسم طرقاً من النجاحات ترفع من شأن المؤسسات والمجتمع وتنعكس إيجاباً على الوطن.