تحت العنوان أعلاه وبشكل غير مباشر، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي أن جنود الاحتياط من لواءين على الأقل سيتم إعادتهم إلى الكيان هذا الأسبوع، في حين سيتم سحب ثلاثة ألوية إضافية لما سماه التدريب «المقرر»، وذلك للانتقال إلى عملية مستهدفة منخفضة الكثافة في قطاع غزة للتخفيف من الخسائر الفادحة في القطاع، وتخفيف الأعباء الاقتصادية بشكل كبير وتمكين الجنود الإسرائيليين من «تجميع القوة للأنشطة» القادمة في العام الجديد.
هذا ما تم الإعلان عنه من جانب الاحتلال الإسرائيلي، تحت عنوان انسحابات تكتيكية لمصلحة الكيان وجنوده، إلا أن الغوص في الخلفيات والأسباب الكامنة فيما وراء ذاك الإعلان، فإن الصورة تنقلب 180 درجة وتصبح الحقيقة أن ذاك القرار هو إعلان هزيمة، وهو ما تؤكده أرقام الميدان والمواجهة بين المقاومة الفلسطينية وجيش العدو الإسرائيلي، ففي حسبة بسيطة لحجم الوجع الذي يتكبده جيش الاحتلال، تقول الأرقام بعد 54 يوماً من بدء العدوان البري الإسرائيلي على غزة، حسبما أعلن في 28 من الشهر الماضي الناطق العسكري باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، أبو عبيدة، عن تدمير وإعطاب نحو 825 آلية عسكرية إسرائيلية، إضافة إلى حصاد «سرايا القدس» الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي.
عدم تمكن قادة الكيان الإسرائيلي من تحقيق أي إنجاز يمكنهم من إدراجه في خانة «الإنجاز الاستراتيجي» دفع بهم إلى الحديث وسلوك طريق الخيار التكتيكي، وبلورته على أنه إنجاز من نوع آخر، وهو ما دفع بهم إلى تهيئة الشارع الإسرائيلي مسبقاً، وهو ما بدا جلياً في حديث رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي، وقوله: «ستستمر الحرب أشهراً أخرى، وإن كنا سنعمل بأساليب مختلفة، لا توجد حلول سحرية، ولا توجد طرق مختصرة، في التفكيك الشامل لمنظمة إرهابية»، في إشارة إلى حماس، وكلام هليفي فيه الكثير من الغموض لجهة تهيئة الداخل الصهيوني لتقبل هزيمة كبرى على يد المقاومة من خلال كلمة «لا توجد حلول سحرية»، وحقيقة فشل الكيان الإسرائيلي في تحقيق أهدافه أكدته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية بدعمها فكرة الانسحاب التكتيكي بقولها أمس: «كلما مرّ الوقت، نبتعد أكثر فأكثر عن تحقيق أهداف الحرب: القضاء على حماس وإطلاق سراح الأسرى، والغرق أكثر فأكثر في وحل غزة، هناك حالات في الحرب يجب فيها إعادة النظر في مسار العمل، وهذا بالضبط هو الوضع الذي وصلنا إليه اليوم».
في ربط بسيط لمجمل ما حدث من وقائع وأخبار، أو المتوقع منها، فإن الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية تدركان حجم الورطة التي وقع بها جيش الاحتلال، وإلى أي مستوى من الإذلال وصل إليه، لتتحدث التقارير الصحفية عن زيارة مرتقبة يقوم بها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتين إلى لبنان في محاولة جديدة للقيام بوساطة هدفها تحقيق وقف لإطلاق النار، على الجانب اللبناني مع فلسطين المحتلة، تحت عنوان الترسيم البري في إطار للتفاوض من أجل إنهاء النزاع حول 13 نقطة حدودية، وانسحاب إسرائيل من القسم اللبناني لبلدة الغجر، وفق ما ذكرت صحيفة «الأخبار» اللبنانية، ليترافق ذلك مع قول البحرية الأميركية في بيان الاثنين الماضي: إن المجموعة الهجومية للطائرات «يو إس إس جيرالد آر فورد»، التي نشرها «البنتاغون» في البحر الأبيض المتوسط لردع ما وصفها بهجمات الجماعات المدعومة من إيران، ستتم إعادتها إلى الولايات المتحدة في الأيام المقبلة، حسب ما نقل موقع «المونيتور».
يستيقظ الكيان في 2024 بخلاف ما نام عليه في 2023، ويصبح الجميع في كل المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، أمام سؤال، إلى أين ذاهبون، ثم ماذا؟ ليبتلع الجميع «ريقه» ويتذوقون طعم الهزيمة المرة، ويقفون مشدوهين أمام هول الخسائر الاقتصادية التي تجاوزت 270 مليون دولار، وآلاف القتلى والجرحى في صفوف الجنود، وتدمير لصورة ظل الكيان يحتمي بها لسنوات وسنوات، إلى أن جاء «طوفان الأقصى» ليجعل الكيان برمته أمام الحقيقة الصعبة، بانكشاف هشاشته، والبحث عن أسباب للبقاء مستقبلاً، وسط شكوك في إمكانية إيجادها.