قضايا وآراء

عام 2023 السوري

| عبد المنعم علي عيسى

لم يعبر السوريون من العام 2023 وفي جعابهم أن العام القادم يمكن له أن يحمل متغيرات إيجابية سواء أكان لجهة أزمتهم المزمنة التي أدخلتها الحرب الأوكرانية في ثلاجة كان من الواضح أن درجة حرارتها كافية لتثبيط أي نشاط في حراكها الذي عانى أصلاً، ولا يزال، من معوقات كبرى لعل أبرزها تباعد الرؤى واختلاف المناظير في سياق نظرة السوريين لبناء «سوريتهم» من جديد، والفعل من حيث النتيجة كانت له تداعيات لا يبدو أن آثارها قابلة للزوال خلال وقت قريب، أم كان لجهة آمالهم في تحسن ظروفهم المعيشية التي كانت أسهم مؤشراتها واضحة في دلالاتها التي تؤكد على مسار انحداري وإن كان من غير الواضح على أي قيعان سوف تستقر، وما يعزز النبوءة آنفة الذكر، هو أن الحكومة راحت توغل في نهجها الاقتصادي القديم القائم على «اقتصاد السوق» الذي يعني ببساطة تحرير الأسعار وترك توازنات السوق تفعل فعلها في تحديدها، الأمر الذي عنى تخلياً تاماً عن ما كنا نسميه «الاقتصاد الاجتماعي» الذي ساد البلاد منذ آذار 1963، والمؤكد هو أن المرحلة التي تلت هذا التاريخ الأخير كانت قد قادت نحو تغييرات مجتمعية ولدت بنتيجتها شرائح وازنة تعتاش أصلاً على الدعم الحكومي الذي كان يمثل حالة هي أكبر، من دون شك، من رواتب الدعم التي يتلقاها العاطلين عن العمل في بلدان عدة.

كان زلزال 6 شباط كاشفاً عن بنية سورية متعبة بكل تفاصيلها، وكاشفاً أيضاً عن وضع سوري مأزوم في شرايينه القائمة مع محيطيه الإقليمي والدولي، صحيح أن حجم الأضرار التي لحقت بالبلاد قليلة قياساً إلى نظيرتها في تركيا التي كانت أراضيها مركزاً للزلزال الذي بلغت شدته 7.8 درجة على مقياس ريختر، لكن بلداً أنهكته أزمة طاحنة كانت على مشارف «ربيعها» الثاني عشر، لم يكن قادراً على تلافي الأضرار الناتجة عنه، فتدمير 9 آلاف منزل نتج عنه نزوح 392 ألف عائلة وفقا لتقرير نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كان أمراً من الصعب تجنب المفاعيل التي سيلحقها الفعل على المديين العاجل والآجل، وما زاد من هذي الأخيرة هو «الانتقائية» التي تعاطى بها المجتمع الدولي مع الحدث على ضفتيه السورية والتركية، مما يؤكد أن الدافع الإنساني لا يمكن له أن يطفو على السطح، فيكون عاملاً في صنع السياسات، إلا في الحالة التي تكون فيها قوالب المصالح متوافقة تماماً مع ذلك الدافع.

ومع ذلك فقد دفع الزلزال نحو حال من التعاضد العربي مع دمشق وهو الأمر الذي لم يلبث أن تبلور بمنحى سياسي عبر «لقاء عمان» الوزاري مطلع شهر أيار من العام الفائت، وهو اللقاء الذي ستخرج من رحمه «المبادرة العربية» لحل الأزمة السورية التي كان من الواضح أنها تستند في حيثياتها إلى القرارات الدولية ذات الصلة بالوضع السوري ضماناً لتأييد الدول الداعمة لتلك القرارات، لكن مع محاولة تلوين هذه الأخيرة بصباغات من نوع ما، لكي تتماشى مع المعطيات التي استجدت ما بعد العام 2015 الذي شهدت أواخره صدور آخر قرار أممي بشأن التسوية السورية، على حين كانت كل القرارات التي صدرت بعد هذا التاريخ ذات علاقة بعمليات الإغاثة والمساعدة الإنسانية وما شابه.

في مسار «المبادرة» يمكن القول إن إيجابيتها تمظهرت في «النفس» الذي أبداه القيمون عليها ولربما كان الفعل هو أقرب لمقاربة هي الأكثر واقعية من مقاربات أخرى جسدتها مسارات إقليمية مثل «أستانا» الذي شهد خلال العام 2023 منعطفا في جولته العشرين عندما أعلنت الخارجية الكازخستانية أن تلك الجولة «ستكون آخر الجولات التي ستنعقد على أراضيها»، وعلى الرغم من أن موسكو سرعان ما قالت إن هذا الإعلان لا يمثل «نهاية للمسار الذي أثبت فاعليته في ضمان نوع من الاستقرار السوري» إلا أنه كان من المؤكد أن ثمة «خللاً» يعتري أجزاء نقل الحركة في ذلك المسار، وكذا مسارات دولية مثل «جنيف» الذي شهد هو الآخر «خضة» كانت ذات دلالات، الأمر الذي يمكن لحظه عبر المحاولات التي جرت في غضون الصيف الفائت لعقد جولة جديدة من اجتماعات «اللجنة الدستورية» في العاصمة العمانية مسقط لكن سرعان ما تلاشى ذلك الاحتمال بإعلان المبعوث الأممي لحل الأزمة السورية غير بيدرسون عن أن الأمر «لم يعد وارداً»، ومن المؤكد هو أن كل المعطيات السابقة تشير إلى أن حال الاستقطاب الإقليمي والدولي تجاه الوضع السوري، لا تزال في أوجها، ومفاعيلها تلعب دوراً كابحاً تجاه مسارب الحلول بل أيضاً تجاه أي تلاقيات محتملة بين الحكومة والمعارضة السوريتين.

كانت عملية «طوفان الأقصى» فجر السابع من تشرين الأول الماضي ثقيلة الوطأة على واقع سوري لا يستطيع أن يكون حيادياً تجاه كل ما يخص قضية فلسطين، لكنه بالمقابل يرى أن الأوان والتوقيت قاسيان بل حاسمان لجهة تحديد الخيارات التي يمكن اتخاذها تجاه الحدث الذي كان، ولا يزال، محور السياسة السورية على امتداد 75 عاماً، لكن من المؤكد أن دمشق، وهي في ذروة التعب، كانت قد نظرت إلى الفعل على أنه انقلاب على معادلات القوة التي سادت المنطقة منذ سقوط بغداد 2003، الأمر الذي سينتج عنه حتماً مفاهيم جديدة لا بد أنها سوف تكون إيجابية بالمجمل على عموم المنطقة من نوع أن تلك المعادلات متحولة ولا يمكن لها الاستمرار على حالها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن