قضايا وآراء

هزيمة واشنطن وتل أبيب في القطاع ونتائجها المرتقبة

| تحسين حلبي

تسعون يوماً وما زال الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة صامداً متمسكاً بثبات بوجوده فوق ترابه الوطني رغم التضحيات القياسية التي قدمها، ولا تزال المقاومة الفلسطينية واللبنانية تكبد جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين خسائر بشرية لا يتحمل مضاعفاتها عليه وعلى استمرار قتاله بعد أن ولدت هلعاً وفزعاً جعل الكيان يهزم من داخله كجيش ومستوطنين مسلحين بموجب ما اعترف به عدد من أعضاء الكنيست، وبدت مظاهر ودلائل هذه الهزيمة بالأرقام واضحة على لسان مسؤولين في الكيان، فقد ذكر رئيس القسم الحكومي لمعالجة الصدمات النفسية الطبيب ياردين ليفينسكي لصحيفة «يسرائيل هايوم» في الـ4 من كانون الثاني الجاري أن 52 بالمئة من الإسرائيليين جرى تقديم علاجات نفسية لهم بسبب إصابتهم بالصدمة النفسية الحادة «تراوما» نتيجة هذه الحرب منذ تشرين الأول العام الماضي، وهو رقم قياسي جعل وزارة الصحة تستنفر بكل أطبائها وإمكاناتها لتقديم العلاج للمصابين ومعظمهم ممن تم ترحيلهم من مستوطنات غلاف قطاع غزة ومستوطنات الشمال إلى الوسط والجنوب في مدينة إيلات على البحر الأحمر، وهذه الإصابات تؤدي عند هذا النوع من المستوطنين الأوروبيين إلى زيادة حالة اليأس والشلل النفسي بل تدفع نسبة منهم إلى الهجرة العكسية التي بدأت أرقامها تزداد بعد عملية طوفان الأقصى، ويبدو أن الاهتمام بهؤلاء المصابين يهدف إلى إيقاف توجههم نحو الهجرة العكسية.

لقد عاقب المستوطنون بنيامين نتنياهو وحزب الليكود بسبب هذه الهزيمة، فتبين من استطلاع للرأي أجرته صحيفة «معاريف» في الـ5 من كانون الثاني الجاري أن الليكود لن يفوز في أي انتخابات مقبلة إلا بـ19 مقعداً من 120 علماً أن لديه الآن 32 مقعداً، على حين سيزداد عدد مقاعد حزب بيني غنتس المنافس له إلى 46 مقعداً، وعلى الساحة السياسية الاجتماعية والفكرية الداخلية بدأ عدد من الشخصيات الفكرية والفنية والسياسية داخل الكيان يتحرك على مستوى الشارع مطالبين بوقف الحرب الإسرائيلية فوراً، لأنها بموجب بيان وقعوا عليه «ولدت شعوراً متزايداً عند الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالانتقام من الإسرائيليين بسبب ما فعله الجيش في قطاع غزة من دمار وقتل للنساء والأطفال أمام العالم كله»، وحذروا في بيانهم من «مضاعفات هذه النتائج على صورة اليهودي في العالم وعلى مستقبل شرعية إسرائيل»، ويبدو أن الولايات المتحدة أدركت حجم الثمن الذي ستدفعه من وراء هذه المذابح التي ارتكبها الكيان علناً أمام العالم، فقررت إبلاغ رسالة إلى حكومة بنيامين نتنياهو حين أعلنت قبل أيام أنها سحبت حاملة الطائرات فورد التي أحضرتها إلى المتوسط لتعزيز القوة الإسرائيلية أمام محور المقاومة، فقد أعربت وسائل إعلامية ومصادر سياسية إسرائيلية عن دهشتها من سحب حاملة الطائرات ولم تنته بعد أخطار محور المقاومة والعمليات المتزايدة العسكرية ضد قطاع غزة والضفة الغربية وجبهة جنوب لبنان، وبدا أن الرئيس الأميركي جو بايدين فضل سحب هذه الحاملة العسكرية ليرسل بدلاً منها المستشار الخاص له في شؤون الطاقة والشرق الأوسط عاموس هوكشتاين الذي يحمل الجنسيتين الإسرائيلية والأميركية، لأنه كان ضابطا برتبة مقدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي ثم توقف عن الخدمة وانتقل إلى الولايات المتحدة التي يحمل جنسيتها أيضاً للعمل السياسي، وهو الذي جعل نتنياهو يخضع بقرار أميركي لإغلاق ملف النزاع على حقل كاريش للنفط عند الحدود البحرية الاقتصادية لمصلحة لبنان، وهذا يعني أن بايدين سلم بهزيمة إسرائيل بعد ثلاثة أشهر من عجز جيشها عن تحقيق أهدافها في قطاع غزة ويسعى الآن للتحول إلى العمل الدبلوماسي والسياسي لتحقيق ما يمكنه من الأهداف، ولهذا الغرض أيضاً أرسل وزير الخارجية الأميركي توني بلينكين بعد أن اجتمع هوكشتاين بوزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت قبل أيام، وفرض عليه إطلاق تصريح يخدم مساعي التهدئة في موضوع جبهة جنوب لبنان وخاصة لأن هوكشتاين مكلف بهذا الملف على جبهة الشمال الإسرائيلية على حين سيتولى بلينكين ملف الشرق الأوسط كله بما في ذلك ملف قطاع غزة، ولذلك يتوقع الكثيرون أن تتجه التطورات المقبلة نحو تراجع إسرائيلي عن الاستمرار في العمليات العسكرية الوحشية علماً أن أزمة الثقة بين أصحاب القرار في الكيان تفاقمت في آخر اجتماعات عقدت لتقييم العملية العسكرية الإسرائيلية وما رافقها من تبادل الاتهامات حول المسؤولين عن الفشل الذريع في تحقيق أهدافها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن