أحسن ما في أمر الكتابة المعرفة، تلك التي تحتاجها المجتمعات، والغاية هي المعرفة وحدها، عند ذاك يكتشف الواحد منا أن مجموعة القيم والأخلاق والعادات واحدة وإن تعددت المشارب والمنابع، فتغير الاسم والمنبع لا يبدل نقاء المنظومة القيمية، وكثيرون هم الذين يذكرون اسم حمورابي وشريعته، لكن المعرفة لم تدفع النسبة الغالبة لمعرفة ما جاء به، وما أرساه من أسس للحياة والمجتمع، ويستمر الأمر كذلك إلى الديانات الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، إذ لا يعرف الواحد منا عن منظومة الدين والأخلاق عند الشريعة الأخرى أي شيء! ولربما لم يعرف عن شريعته الأشياء الكثيرة!
إن ما يسعد حركة الترجمة التي لم تعد محصورة في جانب واحد، أو في لغة ولغتين، ومنذ عقود بدأت الترجمة تأخذ طريقها إلى لغات البلدان في آسيا، وبدأنا نقرأ أدبها وفكرها وفلسفتها وعقائدها.. وتبقى الكتب ذات أثر ضيق في أي مكان، والإعلام بوسائله المتعددة يقدم رسائل غاية في القيمة، والأمر ليس رسائل ثقافية بغاية الهيمنة والتأثير، بقدر ما هي رسائل معرفية لتجعلك أكثر فهماً للقارئ الآخر، وأكثر قدرة على تفهم الآخر، وأكثر إدراكاً لمنطلقات الآخر، والأكثر أهمية هو ما نصل إليه من إدراك أن منظومة العقائد والقيم والأخلاق في المجتمعات كافة، وفي مجتمعاتنا الشرقية وحدها على الأقل ذات توجه واحد يعنى بالفرد والأسرة والمجتمع.
هذه الدراسات التي تنشرها«الوطن» التي بدأت من كونفوشيوس وتتابع في تعاليمه وما أُثر عنه وعن تلامذته، تظهر للقارئ الكريم شيئاً مما لا يعرفه، فكونفوشيوس الرجل العظيم أسطورة في فكره ونهجه، وحقيقة في الوجود، أرسى قيماً فاضلة في المجتمع الذي كان فيه قبل ميلاد السيد المسيح بألفين وخمسمئة عام.
ولو سألت كثيرين فإنهم لا يعرفون الحكيم العظيم، وموطنه، فما بالنا بأفكار لأفعاله التي جعلته منارة مع تلاميذه ومريديه، وجعلت سيرته باقية إلى يومنا هذا بأنه مفكر الصين العظيم وملهمها؟
ولو نظرنا في بعض ما جاء في هذه الدراسة الذكية يظهر لنا الفكر الاجتماعي الذي وضعه كونفوشيوس لنفسه وتلاميذه وأتباعه، هذا الفكر القائم على الاحترام والتوقير والإجلال.
قال زينغ تسان أحد تلاميذ كونفوشيوس، «إذا جرت العناية بالوالدين حتى النهاية، وخدمة أرواح الأسلاف على الدوام عادت الفضيلة عند الناس إلى سموّها الأصلي».
«دعا كونفوشيوس إلى التعليم دون تمييز لذلك كان من بين تلاميذه النبلاء والعامة والفقراء».
«إيمان الشعب الصيني بالأسلاف قريب جداً من الإيمان بالله في أجزاء أخرى من العالم».
كم هو نبيل هذا الفكر الذي أرساه مفكر الصين العظيم كونفوشيوس وبماذا تختلف هذه الدعوة للعناية بالوالدين عما جاء في القرآن الكريم في موضعين «ووصينا الإنسان بوالديه حسناً» «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا» إنها دعوة اجتماعية عالية المستوى، جاءت قبل الميلاد بآلاف السنوات، ويرى تلميذ كونفوشيوس بأن هذه العناية بالوالدين تعيد الفضيلة عند الناس إلى سموها الأصلي.
ومايذكره كاتب المقال بحصافة ودقة عن التعليم وإشاعته بين الناس سواء كانوا من النبلاء أم العامة أو الفقراء، والتعليم كان يمكن أن يكون بقطعة من اللحم المقدّد، بماذا يختلف هذا عن دعوة الرسول محمد «طلب العلم فريضة على كل مسلم» دون تمييز بين غني وفقير، أو بين رجل وامرأة.
والشعوب الآسيوية والشرقية عموماً تتماثل، ومن خلال هذه المقالة وأمثالها يمكن أن نطلع على الفكر والعادات، والتقاليد، وربما وجد واحدنا أنها لا تختلف عما لدينا من عادات في الأعياد أو الزيارات أو المقابر أو الاحتفالات، ولكننا لا نعرف هذا التماثل الذي يصل حد التطابق!
كل ما جاء من فكر معلم الصين العظيم كانت غايته في رفعة المجتمع وسموه، وفي الوصول إلى مرحلة الازدهار، ومن هنا جاءت إشارة كاتب المقال المهمة بأن تعاليم كونفوشيوس وإيمان الشعب الصيني بالأسلاف قريب جداً من الإيمان بالله في أجزاء أخرى من العالم، وذلك في إشارة قائمة على المقارنة والاحترام بين أفكار المعلم كونفوشيوس وما جاء في أجزاء أخرى من العالم، وما يتعلق بالشرائع.
يجدر بنا أن نقرأ لنعرف ونتعلم بأن مصدر الحكمة واحد، والغاية سعادة الإنسان في الحياة.