متاجرة إدارة أردوغان بالقضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد … ناشط تركي يوثق بالأرقام ارتفاع التبادل التجاري بين أنقرة وإسرائيل بعد «طوفان الأقصى»
| وكالات
تعود مسألة المتاجرة بالقضية الفلسطينية من رئيس الإدارة التركية رجب طيب أردوغان إلى الواجهة من جديد، إذ كشف الناشط التركي المقيم في ألمانيا متين جيهان مواصلة أردوغان وأركان إدارته التعامل مع إسرائيل في ازدواجية ليست جديدة، في وقت يطلق فيه تصريحات للإعلام فقط معادية لإسرائيل ومؤيدة للفلسطينيين الذين اعتاد الاستثمار في مجازر إسرائيل بحقهم وذلك لمصالح شخصية.
وكشف جيهان بالأرقام والوثائق تورط شركات حكومية تركية تدار من مقربين من رئيس الإدارة التركية في تعاملات تجارية مع ارتفاع حجم التبادل مع الكيان الإسرائيلي بعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي وبعد العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة الذي حصد أرواح نحو 23 ألف فلسطيني وتسبب بإصابة عشرات الآلاف ودمار هائل في القطاع.
متين جيهان «المنفي طوعاً» في ألمانيا سبق أن أطلق وفق تقارير صحفية حملة لفضح الشركات التركية التي تواصل التعامل التجاري مع إسرائيل بوسم «أوقف الشحن إلى إسرائيل»، وهي الخطوة التي تحولت مصحوبة بالأدلة والمعطيات إلى أداة ضغط سياسي ومادة دسمة لانتقاد الحكومة التركية على الازدواجية بين تصريحاتها وأدائها.
ونشر الناشط المقيم في ألمانيا هرباً من ملاحقة السلطات التركية، عشرات الوثائق والصور التي دعّمت اتّهاماته للحكومة التركية ومسؤوليها رفيعي المستوى بالتعامل مع إسرائيل سرّاً على نقيض مواقفهم المعلنة، وذلك عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الذي تحوّل إلى «مصدر مؤكّد» لقياس حجم التبادل التجاري بين «العدوين الافتراضيين».
وروى جيهان، والمعروف على أنه يساري مؤمن بالحرية والمساواة، كما يفضّل تعريف توجّهه الأيديولوجي، في حديث صحفي مع «النهار» اللبنانية بداية نشاطه الخاص بملف الصادرات التركية الى إسرائيل وقال: «في منتصف تشرين الثاني (الماضي)، عندما فكرت في ما يمكنني فعله للشعب الفلسطيني، لمعت في رأسي فكرة إطلاق وسم أوقف الشحن إلى إسرائيل ##israilesevkiyat?durdur)، ذلك بعدما اكتشفت نتيجة البحث في تفاصيل الشحن، أن الشركات المصدّرة وأصحاب السفن واصلوا شحناتهم إلى إسرائيل كأن شيئاً لم يكن».
ونشر جيهان عشرات الوثائق الرسمية حول مواعيد سفن الشحن التركية أو الأجنبية المتجهة من تركيا إلى موانئ فلسطين المحتلة وحمولاتها، بالتزامن مع التصريحات الصادرة عن المسؤولين الحكوميين في أنقرة حول اتّخاذ خطوات لمقاطعة الشركات الداعمة أو حتى المتعاطفة مع الكيان الإسرائيلي.
وبهذا الصدد، سبق أن أعلن رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش عن قرار للبرلمان «بعدم استعمال أي منتج من منتجات الشركات الداعمة للعدوان الإسرائيلي»، من دون تسميتها، لكن وسائل الإعلام التركية نقلت عنه «إزالة منتجات شركتي كوكاكولا ونستله» من قوائم المطاعم والمقاهي المنتشرة في بهو المؤسسة التشريعية التركية.
وأكد جيهان عدم جدّية التصريحات الرسمية وخطوات المقاطعة وقال: «عندما بحثت بشكل أعمق عن الشركات المتعاملة لفضحها، توصّلت إلى أسماء مثل (نجل الرئيس التركي) بوراك أردوغان (نجل آخر رئيس وزراء تركي قبل الانتقال إلى النظام الرئاسي) وإيركام يلدريم وبعض المسؤولين التنفيذيين في حزب العدالة والتنمية من الذين واصلوا التجارة مع إسرائيل»، وتابع جيهان: «حاولت فضح هذا النفاق للجميع، حاولوا الإنكار، لكن ذلك أدى إلى انكشاف المزيد، رفعوا دعاوى قضائية، ولم أهتم، لقد وصل الأمر إلى نقطة لم يعد بإمكانهم تغطيتها».
وفي منشور له عبر حسابه على موقع «إكس» عرض جيهان خرائط ووثائق شحن رسمية لقيام شركات «مانتا» للشحن البحري المملوكة لنجل أردوغان وشركاء آخرين، و«أوراس» المملوكة لنجل بن علي يلدريم بالشراكة مع النائب عن حزب العدالة والتنمية وهبي كوتش، وسفينة «هاتاي رو رو» المملوكة للمرشح البرلماني عن حزب العدالة والتنمية ورئيس فرع الحزب السابق إبراهيم غولر بنقل الإمدادات إلى الكيان الإسرائيلي.
كما كشف بالوثائق الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة التركية تزويد رئيس بلدية ملاطية يشيليورت محمد جينار، صاحب شركة «عثمان أغولولار»، إسرائيل بالمواد الخرسانية، وشراء المرشح البرلماني لحزب العدالة والتنمية ومدير جمعية الصناعيين ورجال الأعمال المستقلين بلال راير جوك، النفايات من إسرائيل ودفنها في أضنة، وتزويد رجل الأعمال مصطفى سمرجي، مؤسس حزب الوحدة الكبرى، المتحالف مع العدالة والتنمية، إسرائيل بالكابلات، إلى جانب شركة «زورلو» المورد التركي الرئيس لشركة الكهرباء الإسرائيلية.
وأضاف جيهان إلى القائمة شحنات جوية يومية لشركة «إم إن جي هولدينغ»، وشحنات بحرية يومية لشركة «ليماك القابضة»، وشركة «كولين القابضة»، التي تتولى صيانة الناقلة التي تحمل الوقود للطائرات الحربية الإسرائيلية، وشركة «أكتاش» التي ترسل بانتظام الفولاذ والمواد الخام إلى الكيان الإسرائيلي، وشركة «أكتاش صابانجي هولدينغ»، التي ترسل الإسمنت بانتظام إلى إسرائيل، وشركة «أركاس القابضة»، التي تقوم بشحنات منتظمة إلى إسرائيل، وكلها شركات مملوكة لمقرّبين من الحكومة التركية، ونور باقي شاهين، القيادي في حزب السعادة الإسلامي، الذي يصدر الطماطم إلى إسرائيل (تم فصله من الحزب بعد الفضيحة) والقائمة تطول.
وعلى عكس الأخبار المتداولة في الإعلام التركي الموالي لأردوغان، كشف جيهان أن «عدد السفن المتجهة من تركيا إلى إسرائيل، والذي كان 253 في تشرين الثاني الماضي، تجاوز 500 في كانون الأول من العام المنصرم، إضافة إلى المنتجات السابقة من توريدات مباشرة للجنود الإسرائيليين، من الملابس الداخلية المقاومة للحرارة إلى الأسلحة»، وتعهد جيهان ببذل قصارى جهده «لكشف المزيد والمزيد» في حال عدم إيقاف السلطات التركية نفاقها.
وأشار جيهان إلى أن التبادل التجاري التركي مع إسرائيل بازدياد وقال: «بداية العام، وكجزء من إنجازات حكومته، سلّط أردوغان الضوء على أرقام الصادرات لشهر كانون الأول 2023، وأعلن ارتفاع حجم الصادرات من 22.9 مليار دولار في كانون الأول 2022 إلى 23.0 مليار دولار في الشهر نفسه من عام 2023، لكنه أغفل الحديث عن حجم التبادل التجاري المتزايد مع إسرائيل، التي تبدو صاحبة فضل في الزيادة المقدّمة كإنجاز حكومي.
وحسب جيهان فإنه نتيجة للضغوط على الحكومة التركية للالتزام بمضمون الخطابات الحماسية حول الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، أعلن وزير التجارة التركي عمر بولات أنّه «منذ 7 تشرين الأول، انخفضت تجارتنا المتبادلة مع إسرائيل أكثر من 50 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي».
ومع ازدياد الضغوط الشعبية والإعلامية وحتى السياسية من مسؤولي المعارضة، اضطر بولات لإجراء بعض التعديلات على تصريحاته السابقة، قائلاً: إن «التجارة الخارجية بين تركيا وإسرائيل انخفضت بنسبة 48 بالمئة منذ تشرين الأول، وبضائعنا التي تصل إلى الموانئ الإسرائيلية تتّجه فعلياً إلى فلسطين».
لكن جيهان أكد أن أرقام الوزارة التي يترأسها بولات تظهر عكس أقواله، إذ ارتفعت الصادرات التركية إلى إسرائيل من 319.5 مليون دولار في تشرين الثاني إلى 430.6 مليون دولار في كانون الأول، بزيادة بلغت 34.8 بالمئة، ويشير رقم 430.6 مليون دولار لشهر كانون الأول إلى حجم أعلى من حجم الصادرات التركية إلى إسرائيل قبل عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول حيث بلغ 408.3 ملايين دولار في تموز الماضي، ما يعني أن أنقرة استغلّت جيداً الحاجة الإسرائيلية المتزايدة لموارد قادمة من مسارات آمنة، رافعة بذلك أرقام صادراتها وأصنافها إلى تل أبيب.