قضايا وآراء

الآفاق السياسية والاقتصادية لعام 2024

| الدكتور قحطان السيوفي

نشير بداية إلى أن العالم يشهد نوعاً من «الإنتروبية»، وهذه يعرّفها علماء الفيزياء والكيمياء، بأنها لفظة من أصل يوناني تعني «التحولات العميقة»، مع الاضطراب في النظام، وحالة الفوضى والعشوائية.

في بداية عام 2024 سنحاول استشراف أحوال العالم السياسية والاقتصادية، من منطلق المنظور الجيوسياسي والاقتصادي الواقعي، فالزمن مسار يتسارع إيقاعه ببطء، لكنه مستمر.

الولايات المتحدة الأميركية لا تزال قوة اقتصادية كبيرةً، ومع تصاعد ديونها، ومخاوف من انهيار اقتصادي جديد، يخشى من تكرار كارثة عام 2008 المالية، وربما ما يفوقها.

الولايات المتحدة، تشهد ذروة للصراع المجتمعي الداخلي، ما يدفع بأحد المحافظين الجدد وهو روبرت كاغان لأن يتوقع ما يقارب الحرب الأهلية على مشارف انتخابات الرئاسة في أميركا المنقسمة داخلياً، كطريق للهروب من مستقبل ينتظر إمبراطوريتها، مع مديونيتها الفائقة.

في أواخر عام 2023 كان العالم ضد دعم واشنطن اللامحدود للحرب الإسرائيلية الهمجية المستمرة ضد غزة التي مر عليها أكثر من 90 يوماً ولم تحقق أي هدف من الأهداف التي حددتها حكومة الكيان الصهيوني، ولا حدود للدعم الأميركي لتل أبيب، سياسياً وعسكرياً، مع الانشغال الأميركي في رمال الشرق الأوسط وبحاره، ويترافق ذلك مع بدء العد التنازلي لعام الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني 2024.

وسيكون لذلك أثر مهم في المعركة الانتخابية الرئاسية الأميركية بين رئيس ديمقراطي، جو بايدن، تظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبيته، ومتصدّر المرشحين الجمهوريين الرئيس السابق دونالد ترامب، كما أن واشنطن غير قادرة على إنهاء الأزمة الأوكرانية و«كسر شوكة القيصر»، رغم المليارات التي تدفقت على الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وخصوصاً في ضوء حالة التململ من مزيد من الدعم المالي والعسكري، بالمقابل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سينتصر رغم الضغوط والعقوبات الأميركية.

إن أوروبا تواجه فيروساً داخلياً، يتمثل في الصعود السريع للتيارات اليمينية الشوفينية العنصرية، وستبقى الصين بقدراتها الاقتصادية الهائلة، ومخططاتها الإستراتيجية، الأكثر استقراراً في سنة 2024.

أوروبا، تعتريها أمراض «شيخوخة الحضارات»، ويبدو حاضرها قلقاً ومستقبلها أرقاً.

بايدن عبر عن دعمه المطلق للكيان الصهيوني في حربه الهمجية ضد غزة بقوله «ليس بالضرورة أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً، أنا صهيوني»، وهذا يؤكد أن الكلام الأميركي حول ضرورة الأخذ ﺑ«صيغة الدولتين» و«حق شعب فلسطين في أن تكون له دولة»، إنما هو من نوع الكذب ورفع العتب وإبقاء عقار التخدير على فاعليته.

بايدن يؤكد دعمه للإجرام والتضليل الإسرائيلي، وعارض مشروعي قرار في مجلس الأمن، روسي ثم برازيلي، من أجل وقْف إطلاق النار، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية.

حماسة الغربيين لدعم أوكرانيا بالسلاح والمال تراجعت، وهناك تيار قوي في الولايات المتحدة لا يريد استمرار الحرب، فضلاً عن احتمال انتخاب ترامب مجدداً للرئاسة، ومن أولى أولوياته، عند وصوله، توقيف أي دعم لأوكرانيا.

في عام 2024، يواجه الكثير من البلدان الكبرى في العالم انتخابات صعبة، في الولايات المتحدة موسم انتخابي الأكثر صعوبة في تاريخها؛ فبايدن، مع الملاحظات حول لياقته البدنية وقدرته العقلية، هل يمكنه من قطع الميل الأخير نحو ترشيح حزبه؟ أم سيضطر حزبه الديمقراطي للبحث عن مرشح آخر؟ منافسه ترامب لا يزال يُخيم بظلاله على العملية برمتها، وبصرف النظر عمَّن سيفوز بمفاتيح البيت الأبيض، سوف تكون الولايات المتحدة في وضع الطيار، أي العمل بلا تفكير طوال فترة طويلة من عام 2024، وغير قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة.

كذلك تواجه بريطانيا أصعب انتخابات عامة شهدتها منذ أزمة السويس عام 1956، وفي الاتحاد الأوروبي؛ ألمانيا الاقتصاد الأكبر، يمكن أن ينحل الائتلاف المهتز الذي يقوده أولاف شولتز، وينتظر «حزب البديل من أجل ألمانيا» اليميني أن يَظهر قوياً في مشهد سياسي مُنقسم، وتتجه فرنسا نحو فترة من عدم الاستقرار مع بدء انهيار الائتلاف الهش الذي يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون، أي داخل أميركا وأوروبا يأتي عقد الانتخابات في ظل تزايد مشاعر انعدام الثقة تجاه الحكومات، مع تفشي قلق عميق ومستمر بخصوص التوقعات الاقتصادية.

في المقابل في روسيا، يستعد بوتين بسهولة للانتصار في الانتخابات الرئاسية القادمة، والقوة الكبرى الوحيدة التي تبدو مستقرة في عام 2024 هي جمهورية الصين الشعبية، فيما من المرجح أن يظل مجلس الأمن الدولي عاجزاً وفاقداً لفعاليته في المستقبل المنظور.

على الصعيد الاقتصادي يواجه الاقتصاد العالمي مخاطر جيوسياسية متصاعدة؛ العالم يعيش حالة اقتصادية صعبة ولدت تضخماً سبب إرباكاً للاقتصاد العالمي، رسمت ندبات غائرة في عدد من الاقتصادات الرئيسة؛ هناك اقتصادات في طريقها للهبوط على مراحل وفي مقدمها الاقتصاد الأميركي، حسب آراء الخبراء الاقتصاديين، ما جعلهم في حالة من القلق، كما أن العوامل الاقتصادية الجيوسياسية شكلت مصدر قلق وعدم يقين، أما بالنسبة للدول المنتجة للنفط فتظل أقل تضرراً وهي الأكثر حظاً في الصمود ومواجهة التحديات، فالتضخم العالمي يغذي أسعار النفط بشكل إيجابي بصورة مطردة، كما أن الدول الأقل في الديون وتمتلك تنوعاً اقتصادياً شديد التعقيد ستكون كذلك في وضع أفضل.

رصدت «إيكونومي ميدل إيست» أبرز توقعات المصارف العالمية الكبرى التي توقعت نمواً في 2024 كالآتي: في الولايات المتحدة الأميركية بين 2.1 بالمئة و1.1 بالمئة، وفي الصين بين 4.8 بالمئة و4.4 بالمئة، وفي منطقة اليورو بين 0.9 بالمئة و0.3 بالمئة، في المملكة المتحدة بين 0.6 بالمئة و0.1 بالمئة، وفي الهند بين 6.3 بالمئة و6.2 بالمئة، بالنسبة لمنطقة اليورو ترجح المفوضية الأوروبية أن يصل النمو الإجمالي في عام 2024 إلى 1,2 في المئة.

البنك الدولي حذر من أن الحرب الإسرائيلية الهمجية المستمرة على غزة ستؤدي إلى صدمة اقتصادية عالمية، بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل وجوع الملايين بسبب ارتفاع أسعار المواد.

وبالنسبة للحرب الأوكرانية، فمن المرجح أن تستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي في عام 2024، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء واضطرابات التجارة العالمية.

هناك مجموعة من السيناريوهات المحتملة للاقتصاد العالمي في عام 2024.

السيناريو الأول: التباطؤ الاقتصادي، يستمر التباطؤ الاقتصادي العالمي في عام 2024، حيث تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الفائدة إلى إبطاء النمو، وفي هذا السيناريو، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.5 بالمئة أو أقل.

السيناريو الثاني: الركود الاقتصادي، يتحول التباطؤ الاقتصادي إلى ركود، حيث تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية إلى خفض الطلب بشكل كبير، وفي هذا السيناريو، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2 بالمئة أو أقل.

السيناريو الثالث: التعافي الاقتصادي، وفي هذا السيناريو يتحسن الاقتصاد العالمي في عام 2024، حيث تتراجع الحرب الروسية الأوكرانية وتبدأ البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة، ومن المتوقع في هذا السيناريو، أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3 بالمئة أو أكثر.

بالنسبة للابتكارات التكنولوجية التي ستميز عام 2024، ستظهر اتجاهات جديدة سيكون لها تأثير كبير على حياة البشر.

وفي كثير من المناطق، تزايدت الشكوك تجاه العولمة بسبب الجمود الذي أصاب الدخول، وانحدار مستويات المعيشة.

وفي الختام، يرسم المحللون والاقتصاديون صورة غير واضحة عن آفاق عام 2024 لكون التطورات المتسارعة تظللها، فبعد أن رحل عام مثخن بالدماء والخراب وشهداء فاضت أرواحهم تحت أنقاض التدمير وحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، المدعومة من بايدن، يعد هذا الأخير نفسه بولاية رئاسية جديدة رغم أن إحدى صفحات رئاسته الراهنة، تقطر دماً.

إن عام 2024 يحمل شكوكاً ومخاوف وعالماً مضطرباً وقلقاً.

وزير وسفير سوري سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن