من دفتر الوطن

فاتت سنة!

| عصام داري

كان من المفترض أن تنشر هذه الزاوية يوم الثلاثاء الماضي، الثاني من كانون الثاني الجاري، لكن الصديق والزميل وضاح عبد ربه رئيس التحرير منح العاملين والموظفين في الصحيفة عطلة أعياد رأس السنة، وهذا حقه وحقهم بالتأكيد، فتأجلت زاويتي أسبوعاً.

وكنت أنوي أن يشاركني من يقرأ زاويتي في «الوطن» مناسبة لا تتكرر إلا كل خمس وسبعين سنة، وهي عيد ميلادي، فمع مطلع هذا العام أتممت بعون اللـه وكرمه عامي الخامس والسبعين وأنا بكامل قواي الصحية والعقلية!

وللتعويض عن خسارتي الفادحة هذه بعدم نشر زاويتي في موعدها المحدد أدعو الصديق وضاح وأسرة «الوطن» إلى ترتيب احتفال معقول بعد ربع قرن من الآن عندما أبلغ المئة عام من العمر.

نعم، مئة عام، أي قرن كامل، لكن المدهش في الموضوع أنني بلغت منذ أيام ثلاثة أرباع القرن من عمري، ويا للهول!

لست من عشاق الاحتفالات والمهرجانات والكرنفالات، لكنني أريد معرفة شعور من يبلغ من العمر عتياً، فثلاثة أرباع القرن رقم غير عادي، وصدقاً لم أتوقع يوماً وأنا في مقتبل الشباب أن أصل إلى هذا الرقم، مع أن متوسط الأعمار في عائلتي هو خمسة وثمانون عاماً!

اليوم أسأل نفسي: ماذا فعلت خلال كل هذه السنوات؟ وهل زرعت نبتة صغيرة يذكرني الورثة بعد عمر طويل أو قصير؟

تقول الحكمة شعراً منسوباً للإمام علي كرم اللـه وجهه:

لو عاش الفتى ستين عاماً.. فنصف العمر تمحقه الليالي

أي إنني أمضيت نصف عمري أو أقل قليلاً في النوم، وكانت أمي تقول لي: نوم الظالم عبادة، إذ كنت على ما يبدو أمارس شقاوتي مسبباً لها الإزعاج والظلم، فهي غير قادرة مثلاً على ممارسة حقها في الكتابة والقراءة ومشاهدة التلفزيون وسماع الإذاعة.

إذا كان نصف عمري قضيته في النوم وربع العمر في الدراسة والتحصيل العلمي، فإن ما بقي لي من هذا العمر ليس أكثر من ربع قرن، والمصيبة بالنسبة لي أنني أمضيت أكثر من ربع قرن في العمل، بمعنى أنني قضمت من سنوات الدراسة والنوم والكثير من الأوقات التي كان من المفترض أن تكون للراحة والاستجمام والرحلات!

ومن هذه الزاوية بالذات أرى أن الأجيال التي جاءت وستأتي بعدي وتعيش ظروفاً شبيهة بظروفي، لن تجد الوقت الكافي للتمتع بملذات الحياة وستنخرط في العمل ومن ثم العمل مع ضياع العديد من الفرص التي تدفن معها لحظات كانت متاحة للفرح والسعادة والمتعة.

هذه رسالتي بمناسبة بلوغي ربع قرن من عمري، لكنني أريد أن أختتم زاويتي بقصة بليغ حمدي ووردة وميادة الحناوي.

فقد كانت وردة الجزائرية ترسل تهنئة لبليغ في عيد ميلاده، حتى بعد انفصالهما، إلى أن جاءت مناسبة عيد ميلاد الملحن العبقري بليغ حمدي ولم ترسل وردة رسالة أو برقية تهنئة فكتب أغنية «فاتت سنة.. حتى الجواب منهم ما وصلش» ولحن الكلمات وأعطاها للمطربة ميادة الحناوي فكانت من أجمل أغانيها.. فهل هناك من يتبرع ويرسل لي برقية تهنئة من القلب إلى القلب؟.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن