مسلسل الخائن… ابتعاد عن الواقع ورسائل مشوهة … أعمال تصور بيئات غير عربية في محاولة لإسقاطها على المجتمع واستغلال نجاحها جماهيرياً
| مايا سلامي
تحتل المسلسلات المعربة اليوم المشهد في الساحة الدرامية العربية، حيث وجد فيها صناعها قوالب جاهزة لتسلية المشاهد أعدت نصوصها وأخرجت في وقت سابق فتعاملوا معها كتجارة وفق مبدأ جهد قليل وربح كثير.
وكان آخر تلك الأعمال المسلسل السوري- اللبناني «الخائن» الذي انطلق عرضه منذ بداية شهر تشرين الثاني وأثار حوله موجة كبيرة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تسريب أول مقاطعه، فتصدر حديث المشاهدين الذي تأملوا به خيراً بسبب ضخامة أسماء فنانيه إلا أن ما لاقوه كان مخيباً للبعض وقسم صفوفهم بين منتقد ومحب لهذا العمل.
و«الخائن» مستنسخ عن المسلسل التركي «sadakatsiz» المأخوذ بالأساس عن العمل البريطاني «Doctor Foster» الذي قدم عام 2015 وحقق جماهيرية كبيرة فأعيد طرحه بأكثر من لغة وصدرت عنه نسخ عديدة آخرها هذه النسخة العربية، من تأليف عبير الصباح، وإخراج إندر إيمير، وبطولة نجوم من سورية ولبنان: سلافة معمار، قيس الشيخ نجيب، مرام علي، ريتا حرب، جلال شموط، رولا بقسماطي، تاتيانا مرعب، خالد شباط، جينا أبو زيد، إيلي متري وغيرهم.
قصة العمل
تدور قصة العمل حول الطبيبة الشهيرة «أسيل» التي تعيش حياة مثالية وهادئة مع ابنها وزوجها المهندس «سيف الجابي» قبل أن تكتشف عن طريق المصادفة خيانته لها مع شابة عشرينية تدعى «تيا»، لتنقلب حياتها رأساً على عقب وتبدأ برحلة الانتقام من زوجها وأصدقائه الذين كانوا على دراية بالموضوع منذ البداية وأخفوه عنها، فتسعى بطرق مختلفة لترد لهم الصاع صاعين مع حرصها على كسب حضانة ابنها «يزن». ليقرر بعد ذلك طليقها الزواج من تيا والسفر إلى أميركا لتحسين أوضاعه الاجتماعية والمادية، لكنه يعود بعد سنتين من أجل إبعاد زوجته الأولى والحصول على حضانة ولده بغرض الانتقام منها أيضاً فيكتشف أنه ما زال عالقاً في حبها وهنا تبدأ حبكة العمل وصراعاته المطولة.
رسائل مشوهة
طُرح العمل في البداية على أنه دراما اجتماعية مشوقة تحمل رسالة هادفة عن واقع العلاقات الزوجية الطويلة الأمد التي يتخللها روتين الحياة اليومية، والضغوطات التي تتعرض لها المرأة عند خيانة زوجها لها، والآثار النفسية والعميقة التي تبقى آثارها عند الطفل بعد انفصال والديه، فنجح في إيصال بعض هذه الأمور بطريقة صحيحة وواقعية لكنه من جانب آخر أخفق في تقديمها بشكل سليم، فحمل رسائل مشوهة عن المرأة وعكسها بصورة غير أخلاقية بعيدة تماماً عن واقع مجتمعاتنا. فشاهدنا «أسيل» بمستوى رخيص جداً وهي تقيم علاقة مع صديق زوجها وزوج صديقتها في الوقت نفسه بغية الانتقام منهما، فصور بذلك المرأة المغدورة كسلعة هشة وضعيفة تتخلى بسهولة عن كرامتها ومبادئها في سبيل تخفيف غضبها. ونمط المرأة من خلال شخصياته النسائية المختلفة في قالب الحب والزواج وصور الرجل على أنه محور حياتها والشغل الشاغل الوحيد لها طوال اليوم لمراقبته والدخول في منافسة مع الأخريات من أجله.
كما لم يسلم الرجال من هذه الرسائل المشوهة فصورهم جميعاً على أنهم خائنون باستثناء الشاب «سامر» الذي عاش حياته كمشرد بعد أن تخلت عنه والدته وكان يعنف زوجته باستمرار، هو الوحيد الذي سعى العمل إلى تحسين صورته فزين القبيح وقبح الجميل، ومرر خطاباته السامة بسلاسة في عقول الجماهير.
النسخ واللصق
من المفترض أن تحمل النسخ الجديدة من أي عمل بعض التعديلات والإضافات الواضحة التي تمنح كل إصدار خصوصيته وروحه المميزة، لكن في هذا العمل كان النسخ واللصق في المشاهد الرئيسية والمفصلية واضحاً منذ البداية لدرجة استخدام المونولوجات والحوارات نفسها وتقليد ممثلي النسخة التركية في لباسهم وحركاتهم وطريقة جلوسهم، الأمر الذي انعكس على أداء الفنانين، فبالرغم من احترافيتهم العالية التي اعتاد عليها الجمهور بدا تمثيلهم هنا مصطنعاً خالياً من المشاعر والأحاسيس التي تتطلبها الحالات والمواقف المحرجة والصعبة التي يصورونها.
ومنذ البداية تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع العشاء الذي افتتح به العمل إلى جانب المقطع نفسه في النسخة الأصلية وكان من السهل عليهم عدم ملاحظة أي فروقات بين الاثنين بسبب المجهود الكبير الذي بذله الفنانون لتقليد كل تفصيل قام به الممثلون الأتراك، فأبعدهم ذلك عن إضافة أدواتهم ومقدراتهم التمثيلية الخاصة التي لطالما أبدعوا وتألقوا بها وأوصلوا من خلالها مشاعرهم إلى المتلقي فكان المشهد خافتاً خالياً من القوة التي يحتاج إليها.
اختيار الممثلين
بالنظر إلى النسخة التركية نجد أن اختيارات الممثلين كانت صائبة ووضع كل منهم في الدور الذي يناسبه ويليق به لكن هذا ما غاب قليلاً عن النسخة العربية، فقبيل طرح العمل وفور الإعلان عن أسماء أبطاله تعرض لجملة من الانتقادات بسبب عدم الدقة في اختيار بعض الفنانين فوجدوا أن صناع العمل لم يراعوا فكرة تقارب الفئات العمرية بشكل كبير بين بعض الشخصيات لدرجة تجعل الدور أو الشخصية التي يجسدونها تبدو غير منطقية، ودارت هذه الآراء بشكل خاص حول اختيار الفنانة اللبنانية ريتا حرب لتأدية دور والدة مرام علي معتبرين أنها لا تكبرها بكثير وهي غير مناسبة لتكون أمّاً لها.
كما اعتبر البعض أن مرام علي بالأساس غير مناسبة لتجسد شخصية فتاة عشرينية وأنها لم تفلح في التغطية على أداء الممثلة التركية بيليس سيزن التي نجحت في شخصية «ديرين» الفتاة الصغيرة المتهورة والطائشة في النسخة الأصلية.
غلو في اللاواقعية
وعلى نسق العديد من الأعمال العربية التي قدمت سابقاً في هذا السياق اتجه «الخائن» إلى الغلو في اللاواقعية من خلال عدة جوانب، أهمها المنازل الضخمة والسيارات الفارهة والثراء الفاحش التي تعيشه كل شخصيات العمل مهما كان عملها، واستيقاظ الممثلات من الصباح الباكر بكامل أناقتهن يرتدين الملابس والكعب العالي طوال الوقت في منازلهن وشعرهن يبقى مصففاً ليلاً نهاراً، كما لم يراعوا في هذه النقطة طبيعة الشخصيات التي تجسدها كل واحدة منهن وخاصة «أسيل» التي كان من المفترض أن تظهر بعملها بإطلالات أكثر بساطة لتناسب عملها كطبيبة، وهذا ما نجحت به النسخة التركية بشكل أكبر، فقدمت الطبيبة «آسيا» بصورة بعيدة عن التكلف وهذا تفصيل مهم يصب في صلب وعمق الشخصية ما كان يجب إغفاله. إضافة إلى الربط اللامنطقي بين الشخصيات والذي بدأ يتضح شيئاً فشيئاً مع تقدم الحلقات وجعل العمل أشبه بالأفلام الهندية.
أداء متفرد
من جانب آخر أظهر بعض الفنانين وخاصة الشباب والأطفال أداء متفرداً في هذا العمل وقدموا شخصياتهم بمستوى عالٍ من الدقة والبراعة، وكان الفنان الشاب خالد شباط واحداً من هؤلاء الذين استطاعوا التحليق خارج سرب التقليد والمحاكاة، فجسد شخصية «سامر» المعقدة والممتلئة بالاضطرابات النفسية والاجتماعية بكل براعة معتمداً على رؤيته الخاصة لهذه الحالة فأظهر مجدداً موهبته الكبيرة التي نالت استحساناً جماهيرياً واسعاً.
كما لمع نجم الشاب الصغير قيس صبح الذي جسد شخصية «يزن» المفصلية والمحركة للأحداث، فنجح بأداء دور المراهق الذي يعاني بعد انفصال والديه وبرع بإيصال مشاعره وأحاسيسه إلى المتلقين الذين تعاطفوا وتفاعلوا معه.
إضافة إلى عزام الشبعان الذي جسد شخصية «كنان الزين» وأبدع في هذا الدور المستفز الذي يعكس حالة المراهق المتسلط والأناني والمدلل الذي لا يرضى بوجود منافس له فيسعى لتدبير المكائد لابن زوج أخته «يزن» قبل أن تجمعهما صداقة قوية.