رحيل الأديب والمترجم حسن صقر … قصص وروايات دوّنها ضمن مشروع إبداعي
لم تنطوِ إلا أيام قليلة من العام الجديد، حتى حصد أول مبدع سوري إلى ديار الحق، إنه الأديب والمترجم حسن صقر صاحب القصص شديدة الواقعية، قصص حلّق من خلالها، بالواقع على أجنحة سريالية، ليطلقها في فضاء الفن.
قصص وروايات تأليفاً وترجمة كثيرة كان دوّنها ضمن مشروعٍ إبداعي لم يقف عند الرواية تأليفاً، بل كان له وجه آخر في الترجمة.
له مشروع إبداعي ثر بما يليق بقامة إبداعية أنجزت مشروعها دون جلبة أو استعراض، واليوم يرحل بكل هدوء.
تميز بكتاباته بلغة شفيفة مقتصدة ومركزة، تلونها الحوارات الغنية المقتضبة، والتأملات الفلسفية الرشيقة التي تضيف إلى المضامين أبعاداً عميقة من دون أن يخلّ ذلك ببناء القصة المحكم.
ولد الراحل في اللاذقية وتحديداً في قرية عين شقاق، وتعلَّم بها. حصل على إجازة في الجغرافيا ودبلوم في التربية من المعهد العالي للمعلمين في جامعة دمشق، كما نال دبلوماً في اللغة الألمانية وآدابها من جامعة برلين.
اشتغل بعدها مدرساً لمادة الجغرافيا في عددٍ من الثانويات في سورية، كما عمل موجّهاً اختصاصياً للعلوم الاجتماعية ثم أصبح لاحقاً مدرّساً للغة الألمانية في جامعة تشرين في مدينة اللاذقية.
صدر له عدد من الروايات والمجموعات القصصية، وأول أعماله الورقية المنشورة كانت رواية «البحث عن الظلام».
كما صدرت له أعمال مترجمة في مجال الفلسفة والميثولوجيا والآداب لعل أبرزها رواية «شارع الخيزران» عام 2012 وكذا رواية «البحث عن الظلام» عام 2024 التي حققت نجاحاً في سوق المبيعات.
ترجم كتباً أخرى في مجال الفلسفة من بينها كتاب «قوة الأسطورة».
خريطة طريق
ترجم عدداً من الكتب الفلسفيّة بينها كتاب «البطل ذو الألف وجه» الذي اعتبر أول كتاب يجمع بين الرؤى الروحية والنفسية للتحليل النفسي الحديث مع النماذج الأصلية للأساطير العالمية. واعتبر هذا الكتاب أول كتاب يجمع بين الرؤى الروحية والنفسية للتحليل النفسي الحديث مع النماذج الأصلية للأساطير العالمية، ويقدّم خريطة طريق للتنقل فيما يسميه المسار المحبط للحياة المعاصرة. بفحص الأساطير البطولية في ضوء علم النفس الحديث، فإن الكتاب لا يأخذ في الاعتبار أنماط الأساطير ومراحلها فحسب، بل أيضاً علاقتها بالحياة اليوم وبحياة أي شخص يسعى إلى تحقيق وجود كامل.
وفي الكتاب المترجم هناك حديث عن معنى الأسطورة حسب المؤلِّف كامبل الذي يرى أنها إسقاط أحلام ثقافة ما على شاشة كبيرة.
وجدان الشعوب
واصل صقر نشاطه في مجال الترجمة، فنشر كتاباً مترجماً آخر هو «الأسس العقلانية والسوسيولوجية للموسيقا» الصادر عن المنظمة العربية للترجمة عام 1958 وذكر بعض النقاد في معرض مراجعتهم لهذا الكتاب أنه ينطوي على مفارقة تثير الاستغراب، حيث عالج في هذا العمل عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر فن الموسيقا من منطلق سوسيولوجي، كما خاض في عالم الموسيقا الهارمونية بكل تعقيداته متتبعاً مساره التاريخي وارتباطه بعلمي الفيزياء والرياضيات، من دون أن ينحصر اهتمامه بالغرب إذ إنه تطرق إلى الموسيقا لدى مختلف شعوب العالم مؤكداً أن للموسيقا دوراً كبيراً في وجدان الشعب الألماني ووجدان باقي الشعوب.
في زمن الكارثة
أما أشهر أعماله فكانت رواية «طائر الرحيل» عام 2018 وهي الرواية التي تناول فيها مسألة الصراع بين الخير والشر في إدارته لعجلة التاريخ، وبخصوص هذه الرواية، يرى صقر أن الكتب فعلاً لا تستطيع أن تغير الواقع، لكنه يشدد على أهميتها في زمن الكارثة والخراب قد اكتسح العالمين الداخلي والخارجي كما يصف. ويعتقد أن وظيفة الكتب أن تطرح أسئلة تجعل الإنسان في مواجهة محتدمة مع مصيره النهائي، ويرى أنه إذا كان إيقاظ ما هو إنساني في الإنسان يمثل الهدف البعيد لكل إبداع فني، فإن للرواية اليد الطولى في هذا الكفاح المرير.
بين شتانير ونيتشه
وترجم أيضاً كتاب «فريدريك نيتشه: مقاتل من أجل الحرية» الذي صدر عام 1985 من تأليف شتاينر رودولف الذي التقى نيتشه في عام 1889. حيث كان الأول مفتوناً بأسلوب نيتشه لكنه لم يتفق معه في بعض الجوانب واعترف بالتفوق الروحي لنيتشه واصفاً إياه بالمقاتل من أجل الحرية ومن هنا جاء العنوان.
بعد ست سنوات، ونتيجة لقائه بأخت نيتشه، أمضى شتاينر عدة أسابيع في أرشيف نيتشه فألَّف هذا الكتاب الذي ترجمه حسن صقر والذي يُعتبر على نطاقٍ واسعٍ نقطة انطلاق أساسية نحو فهم الأنثروبولوجيا.