كرة القدم السورية في عام (2) … المنتخب الأولمبي فضية فخريّة ونتائج غير منطقية … الثقافة الكروية الهشة ساهمت بتخبط منتخبنا
| ناصر النجار
الحلقة الأولى من استعراض واقع كرة القدم السورية في العام الذي مضى خصصناها لمنتخب الرجال الذي تنتظره البطولة القارية الأهم وسيخوض أولى مبارياته فيها يوم السبت القادم بمواجهة أوزبكستان، ثم يواجه أستراليا ويختتم مبارياته في الدور الأول بلقاء منتخب الهند.
بقية المنتخبات لم تكن أفضل من كبيرها، فعاشت في ضبابية عدم الاستقرار وسوء النتائج، ولم تحقق هذه المنتخبات أدنى الآمال المعقودة عليها، بل إنها غرقت في منحدرات متردية وخلصت إلى نتائج عبّرت واقع كرتنا وأحوالها الضبابية.
الفوائد التي جنيناها من كل المشاركات بكل المنتخبات اقتصرت على أمرين اثنين، أولهما: أن كرتنا حظيت بشرف المشاركة والحضور في كل البطولات الرسمية العربية والآسيوية والقارية.
وثانيهما: أننا عرفنا موقعنا الحقيقي على الخريطتين العربية والآسيوية.
وإذا تحدثنا عن المحيط العربي فإننا في موقع لا يسر أبداً، فكل المنتخبات المجاورة تفوقت علينا، وإذا حققنا بعض النتائج فهي لا تعدو أكثر من طفرة في زحمة الخسائر والخيبات.
حتى على صعيد الأندية فإن مشاركة ناديي الفتوة وأهلي حلب في بطولة الاتحاد الآسيوي دلّت على تواضع مستوى كرتنا على صعيد المنتخبات والأندية، ورغم أن الفرق المشاركة في هذه البطولة الآسيوية التي تعتبر بطولة ثانية وليست من بطولات النخبة، والفرق المشاركة فيها صنفت على أنها فرق هاوية لأنها لم تحقق شروط الاحتراف المطلوبة ومع ذلك نجد أن فريقينا خسرا مع نظرائهما من لبنان وفلسطين والأردن والعراق وعُمان، وخرجا في ذيل المجموعتين على صعيد الترتيب ولم يحققا إلا فوزاً واحداً وتعادلين في مشاركة تعدّ الأسوأ بتاريخ أنديتنا، وللأسف ومع تطور المسابقات الآسيوية فإننا سنحرم مستقبلاً من هذه المشاركة، لأن الدخول فيها صار له حسابات كثيرة وشروط أصعب من ذي قبل.
أعذار قديمة
المنغصات التي تعترض كرتنا كثيرة وتأتي ضمن الأزمات المتلاحقة التي تبدأ من العقوبات الخارجية التي لا ترحم إلى حظر اللعب على أرضنا وبين جماهيرنا وصولاً إلى الأزمات الاقتصادية التي هدّت رياضتنا وكرتنا.
وهذه كلها قد اعتدنا عليها واستطعنا التغلب عليها بالكثير من التحدي والصمود وإن كلفتنا بعض المشقة والجهد والوقت وحرمان ميزتي الأرض والجمهور.
لكن المنغصات الأهم التي أعاقت تطور كرتنا على صعيدي المنتخبات والأندية كانت من صناعتنا وتمثلت بسوء الإدارة وغياب الفكر الاحترافي والثقافة الكروية المطلوبة، لذلك فإن الفرق الأخرى تفوقت علينا بسبب فكرها المحترف وأساليبها المتطورة في التعامل الصحيح مع كرة القدم على صعيد البناء والتطوير، وأكثر ما نفكر به في كرة القدم هو المصالح الضيقة والحصول على المنافع، وإضافة لذلك وجود حرب خفية أطرافها كثر، مهمتهم الوصول إلى أهدافهم الشخصية، بعيداً عن أهداف كرتنا ومصلحتها.
وعلى سبيل المثال فإن عملية انتقاء المدربين ومن في حكمهم من مساعدين ومدربي حراس مرمى ومعدين بدنيين ومحللين وإداريين وصولاً إلى حاملي التجهيزات والمنسقين والمصورين تشوبها مئة شائبة، وكل مدرب على رأس عمله يجب أن يتعرض لحرب البسوس وقد تصل الأمور إلى أن تحاك ضده المؤامرات، مع العلم أنه لا توجد آلية واضحة في عمليات التعيين في كل المنتخبات وكل مراكزها ومناصبها ومهامها، وهذه المقدمات الخاطئة نتيجتها الحتمية الفشل الذريع.
وعلينا أن نتذكر دائماً أن بعض القائمين على كرتنا ليسوا من أصحاب الخبرة وهم من حديثي العهد بكرة القدم، لذلك لم نجد في الكثير من الأماكن الرجل المناسب في المكان المناسب.
ومع ذلك علينا أن نذكر بعض الومضات والإشراقات التي يقوم بها البعض والتي تضيع أمام تغوّل المصالح الفردية والمنازعات الشخصية.
الملاحظة المهمة في المنتخبات كلها هي تنازع أعضاء الاتحاد على مناصبها وهذه المنازعات ليست من الأسرار لأنها خرجت إلى العلن وبات يعرف تفاصيلها الصغير قبل الكبير، وهنا تبدو المنازعات واضحة وضوح الشمس لدرجة أن بعض أعضاء الاتحاد (حردوا) وبعضهم قدم استقالة شفهية وكل ذلك في سبيل سفرة سياحية!
موضوع تدوير الإشراف على المنتخبات لم يرض طموح أعضاء الاتحاد، ولحسم هذه القضية المفصلية تقرر إنشاء مناصب عديدة منها: رئيس البعثة ومدير المنتخب ومشرف المنتخب، ولذلك نكون قد خصصنا في كل سفرة مقعدين على الأقل لأعضاء الاتحاد، وهذا ما حدث تماماً قبل شهر مع منتخبي الشباب والناشئين في المعسكرات الخارجية والمشاركات الرسمية، لذلك لم نعد نجد أحداً في مقر الاتحاد، فجميع أعضائه في مهمات خارجية، لذلك وضح لنا أن اهتمام أعضاء اتحاد كرة القدم يتركز على السياحة والسفر كغاية أساسية مع بعض الإضافات كحضور الدورات ومراقبة المباريات والوقوف أمام العدسات في كل المحطات، أما على صعيد العمل، فلم نجد الأثر الطيب والعمل الناجح ولم نجد أي بصمة لأحد في عالم كرة القدم.
المنتخب الأولمبي
قصة المنتخب الاولمبي قصة حزينة تروي حال كرتنا وتشرح المفهوم الذي تبنى عليه المنتخبات بغياب الفكر الاحترافي والثقافة الكروية الصحيحة.
منذ البداية حدث خلاف بين مشرف المنتخب والمدرب الهولندي مارك فوته، في كواليس الخلاف أن المدرب لم يستجب لأمر يخص مشرف المنتخب فهو لا يقبل بالتدخل في العمل الفني وهو اختصاصه، لذلك فإن عدم الانسجام والتناغم بين المشرف والمدرب ولد حالة من التوتر داخل المنتخب، لأن آثار هذا الخلاف ظهرت للعلن مع كثرة الكلام والتصريحات، لذلك لابد من الحل، والحل كان نصرة المشرف، فتمت إقالة المدرب، ودائماً كان المبرر بالنتائج، فخسر المنتخب في بطولة غرب آسيا، التي أقيمت في كربلاء العراقية أمام فلسطين بهدف نظيف وأمام إيران بهدف لثلاثة، وكان قبلها أقام معسكراً في لبنان فخسر مع منتخبها 2/3 ثم فاز عليه 3/1.
الموضوع اعتبره اتحاد كرة القدم موضوع كرامات، فانتصر لعضو الاتحاد، وهذا النصر من باب الحصانة، فأعضاء الاتحاد في كل الخلافات معهم كل الحق، وغيرهم مدان، ولو تجرأ الاتحاد فأقال أحد أعضائه فإن هذه السلسلة ستصل إلى البقية مارك فوته لم يسكت، وأدلى بتصريحات إعلامية كشف فيها بعض الخبايا، وفي المقارنة فإن عملية المفاضلة كانت خاسرة، فالفائدة المرجوة من بقاء المدرب أفضل من بقاء المدير أو المشرف، وهذا هو معلوم وواضح بكرة القدم، وخصوصاً أن المدرب الهولندي كان مقيماً في الاتحاد ويتابع عمله بشكل يومي بخلاف بقية المدربين الذين يتابعون منتخباتهم عن بعد.
ولكي نتأكد أن القرار كان خاطئاً فلم يحقق المنتخب بوجود هذا المدير أي نتيجة رغم تغيير الطاقم الفني، وهنا ندرك أن المنتخب الأولمبي تعرض للظلم، وأن كرتنا تدار بطريقة عشوائية وعاطفية بعيداً عن المنهج العلمي المفترض.
الكادر الفني الجديد للمنتخب قاده المصري تامر حسن الأطرش وكان ضمن الكادر الفني للهولندي مارك فوته، وكان ينتظر المنتخب ثلاث مشاركات رسمية أولها الدورة العربية في الجزائر وأهمها التصفيات الآسيوية في الأردن وآخرها دورة الألعاب الآسيوية في الصين.
الخطأ الكبير المرتكب في الدورة العربية أنه تم تدعيم المنتخب بثلاثة لاعبين تجاوزوا الثلاثين من العمر من أجل تحقيق نتيجة ما! في البطولة وجدنا اختلافاً في الثقافات الكروية بيننا وبين المشاركين، فأغلب المشاركين شاركوا بمنتخب الشباب وبعضهم شارك برديف الأولمبي أو خليط بين الشباب والأولمبي، لأن المهم عند هؤلاء هو اكتساب الخبرة وتأهيل اللاعبين ولم تكن الغاية تحقيق نتيجة لا تسمن ولا تغني من جوع.
لكن الغريب أن منتخبنا حرم بعض لاعبي الأولمبي من المشاركة في الدورة العربية على حساب النتيجة، مع العلم أن المشاركة في الجزائر كانت تمهيداً للتصفيات الآسيوية، والأغرب من كل شيء الاستعانة بحارس مخضرم بدعوى أن حارس الأولمبي ضعيف! فكيف يمكن أن يصبح قوياً وجاهزاً ونحن نبعده عن المشاركة وتنتظره بطولة أهم.
كل أخطاء الدورة العربية دفعنا ثمنها بالخروج المخزي من التصفيات الآسيوية بالخسارة أمام عمان والأردن بهدفين نظيفين مع فوز على بروناي 11/صفر وهي على هامش كرة القدم.
الملاحظة الأهم أنه في الدورة العربية قابلنا شباب السعودية في الافتتاح وفي الختام وفي كلتا المباراتين تعادلنا 1/1 وخسرنا النهائي بركلات الترجيح 5/4 لكن عندما لعبنا بعدها مع الأولمبي السعودي مباراة ودية خسرناها 0/3.
في الجزائر تعادلنا أيضاً مع فلسطين بلا أهداف وفزنا على موريتانيا 4/2 وعلى السودان 2/صفر.
أحد خبراء كرتنا صرح عن المنتخب الأولمبي بقوله: هو منتخب محدود، وله سقف معين، والسبب في ذلك ضعف دوري الشباب، وجاء بعده الدوري الأولمبي ضعيفاً أكثر، فلاعب المنتخب الأولمبي يلعب في الموسم مباريات قليلة، وإذا شارك مع الرجال فهو على دكة الاحتياط ويلعب لدقائق معدودة، وهذا كله لا يصنع منتخباً منافساً، لابد من إنشاء دوري قوي لهذه الفئة ولبقية الفئات حتى يصل اللاعب إلى قمة الجاهزية البدنية والفنية قبل دخوله المنتخب.
بعد هذه النتائج اعتذر اتحاد كرة القدم عن عدم المشاركة بدورة الألعاب الآسيوية وتم حل المنتخب.